بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٤
الصحاح المتضمنة لمخالفتهم له وذمه لهم في حياته.
فإذا كان قد شهد على جماعة من أصحابه بالضلال والهلاك، وأنهم ممن كان يحسن ظنه بهم في حياته، ولحسن ظنه بهم قال أي رب أصحابي، ثم يكون ضلالهم قد بلغ إلى حد لا تقبل شفاعة نبيهم فيهم ويختلجون دونه وتارة يبلغ غضب نبيهم عليهم إلى أن يقول سحقا سحقا، وتارة يقال: إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم، وتارة يشهد عليهم أبو الدرداء وأنس بن مالك وهما من أعيان الصحابة عندهم بأنه ما بقي من شريعة محمد (صلى الله عليه وآله) إلا الاجتماع في الصلاة ثم يقول أنس وقد ضيعوا الصلاة، وتارة يشهد نبيهم أن بعد وفاته يكون دينهم ملكا ورحمة وملكا وجبرية على عادة الملوك المتغلبين ففيهم الرحيم والمتجبر، وتارة يشهد على قوم من أصحابه أنه يشفق عليهم ويأخذ بحجزهم عن النار، وينهاهم مرارا بلسان الحال والمقال فيغلبونه ويسقطون فيها، وتارة يخاف على أمته من أئمة مضلين ينزلون عليهم، وتارة يشهد باتباع ما أتى به القرون السالفة في الضلال و اختلال الأحوال.
ثم قد أدوا عنه بغير خلاف من المسلمين أن أمة موسى افترقت بعده إحدى وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار، وأمة عيسى افترقت اثنتين وسبعين فرقة واحدة ناجية والباقون في النار، وأمته تفترق ثلاثا وسبعين فرقة واحدة ناجية واثنتان وسبعون في النار، وقد تضمن كتابهم " وممن حولكم من الاعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين " (1) فكيف يجوز لمسلم أن يرد شهادة الله وشهادة رسوله عندهم بضلال

(١) براءة: ١٠١، والآيات التي تنص على أن في المسلمين جماعة منافقين، كثيرة، لا وجه لسردها، ولكن ينبغي الإشارة إلى أن الله ولا رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يعرف لنا المنافقين بأسمائهم حتى يشهروا ويخذلوا، فنحكم على أعيانهم بالكفر والفسق وعلى سائر المسلمين بالايمان والعدالة والاخلاص، وإذا كان الامر مشتبها، فكلما سمينا أحدا من صحابة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأردنا أن نأخذ منه دينه وسمته ونتبعه في سيرته وسنته ونحتج بحديثه عن الرسول الأمين ص جوز - العقل كونه منافقا، فلا يصح للعاقل المحتاط لدينه أن يأخذ منه ويتبعه ويصدقه فيما يحدث عن الرسول الأعظم، الا أن يكون الله ورسوله ص قد عرفه ونص عليه بالايمان والاخلاص والطهارة، ولسنا نعرف بذلك الا أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) النازل فيهم آية التطهير وآية الولاية المصرح باخلاصهم وحسن طويتهم سورة الدهر وساير الآيات الكريمة النازلة فيهم وهي أكثر من أن تحصى، لا مجال للمقام لسردها والبحث عنها.
وان قلت: لم لم يعرف الله ورسوله المنافقين الخائنين، ليحذرهم المؤمنون بعده؟ قلت:
للقوم آراء ووجوه في ذلك يطلب من مظانه، وعندي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على علم وعمد لم يعرف المنافقين من أصحابه لينفذ بذلك إرادة الله عز وجل من بلوى الأمة واختبارهم بعده، فان اخبار الله عز وجل وهكذا رسوله الأمين الصادق بأن في أصحابه وأمته منافقين ظاهرين يخادعون الله ورسوله، من دون تعريف بهم، وفى قبال ذلك نص القرآن الكريم بآية التطهير بالنسبة إلى أهل بيته مضافا إلى سائر ما ورد فيهم من آيات الله البينات وتصديق ايمانهم واخلاص طويتهم في سورة الدهر، وهكذا هتاف الرسول بين الأمة الاسلامية بأنه من كنت مولاه فهذا على مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وغير ذلك من النصوص.
ففي ذلك بلوى واختبار عظيم بالنسبة إلى المؤمنين، فمن كان يرجو الله واليوم الآخر و ينصح لنفسه، لا يقتدى بأصحابه الا بمن شهد الله ورسوله بحقيقة ايمانه وحسن طويته وعلمه و فهمه وقضائه وهم أهل بيته الذين طهرهم الله من كل رجس وأوجب ولايتهم، ومن كان يرجو الحياة الدنيا وزينتها وزخرفها لا يقتدى بمن قدمه الله وإنما يقتدى بمن لا يؤمن فيه النفاق ويخاف عليه سوء النية في متابعة الرسول طمعا في حطام الدنيا، فليقتدوا بمن شاؤوا ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعضه فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون.
ومن اله لا تل على أن رسوله الأمين الكريم على عمد ونظرا إلى تنفيذ هذا الاختبار والبلوى، لم يعرف المنافقين بأشخاصهم، أننا نراه - صلوات الله عليه يقول لثلاثة من أصحابه فيهم سمرة ابن جندب وأبو هريرة الدوسي: " آخركم موتا في النار " راجع الاستيعاب وأسد الغابة ترجمه سمرة " فيعمى ذلك على أصحابه الآخرين لئلا يركنوا إلى أحد منهم في دينهم.
وهكذا يقول لجماعة من أصحابه مجتمعين: " أحدكم ضرسه في النار مثل أحد " راجع البحار ج ١٨ ص ١٣٢ من طبعتنا هذه.
وعلى ذلك فليحمل ما رواه أحمد في المسند ج ٥ ص ٢٧٣، والطبراني في الكبير على ما في مجمع الزوائد ج ١ ص ١١٢ عن أبي مسعود قال: خطبنا رسول الله خطبة فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: ان فيكم منافقين، فمن سميت فليقم، ثم قال: قم يا فلان! قم يا فلان! قم يا فلان! حتى سمى ستة وثلاثين رجلا، ثم قال: ان فيكم - أو منكم فاتقوا الله.
(٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 ... » »»
الفهرست