بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢٨ - الصفحة ٣٤٦
فلما بسط يده وذهبا يبايعانه، سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه.
فناداه الحباب بن المنذر يا بشير عقتك عقاق، والله ما اضطرك إلى هذا إلا الحسد لابن عمك، فلما رأت الأوس أن رئيسا من رؤساء الخزرج قد بايع، قام أسيد بن حضير وهو رئيس الأوس فبايع حسدا لسعد أيضا، ومنافسة له أن يلي الامر فبايعت الأوس كلها لما بايع أسيد.
وحمل سعد بن عبادة وهو مريض فادخل إلى منزله، فامتنع من البيعة في ذلك اليوم، وفيما بعده، وأراد عمر أن يكرهه عليه فأشير عليه أن لا يفعل، وأنه لا يبايع حتى يقتل، وإنه لا يقتل حتى يقتل أهله، ولا يقتل أهله حتى يقتل الخزرج كلها وإن حوربت الخزرج كانت الأوس معها، وفسد الامر، فتركوه، فكان لا يصلي بصلاتهم، ولا يجمع بجماعتهم، ولا يقضي بقضائهم، ولو وجد أعوانا لضاربهم، و لم يزل كذلك حتى مات أبو بكر ثم لقي عمر في خلافته وهو على فرس وعمر على بعير، فقال له عمر: هيهات يا سعد فقال سعد: هيهات يا عمر، فقال أنت صاحب من أنت صاحبه، قال: نعم، أنا ذاك، ثم قال لعمر: والله ما جاورني أحد هو أبغض إلى جوارا منك، قال عمر: فإنه من كره جوار رجل انتقل عنه، فقال سعد:
إني لأرجو أن أخليها لك عاجلا إلى جوار من هو أحب إلى جوارا منك ومن أصحابك فلم يلبث سعد بعد ذلك إلا قليلا حتى خرج إلى الشام، فمات فيها (1)

(١) في المصدر: فمات بحوران، ولكن الصحيح أنه قتل فتكا، وقد مر ص ١٨٣ من هذا الجزء ما يثبت ذلك، أضف إلى ذلك نص المسعودي في مروجه ٢ / ٣٠١ قال: و كان للمهاجرين والأنصار يوم السقيفة خطب طويل ومجاذبة في الإمامة، وخرج سعد بن عبادة ولم يبايع فصار إلى الشام فقتل هناك في سنة خمس عشرة، وليس كتابنا هذا موضعا لخبر مقتله..
وذكر شارح النهج 2 / 520 أنه لم يبايع أبا بكر حين بويع وخرج إلى حوران فمات بها، قيل قتلته الجن لأنه بال قائما في الصحراء ليلا، ورووا روايتين من شعر قيل إنها سمعا ليلة قتله ولم ير قائلهما:
نحن قتلنا سيد الخزرج * سعد بن عباده ورميناه بسهمين * فلم تخطأ فؤاده ويقول قوم: ان أمير الشام يومئذ (وهو خالد بن الوليد) كمن له من رماه ليلا وهو خارج إلى الصحراء بسهمين فقتله لخروجه عن طاعة الامام، وقد قال بعض المتأخرين.
يقولون سعد شكت الجن بطنه * الا ربما صححت دينك بالغدر وما ذنب سعد أنه بال قائما * ولكن سعدا لم يبايع أبا بكر وقد صبرت من لذة العيش أنفس * وما صبرت عن لذة النهى والامر وحكى شارح النهج 4 / 191: " أنه قال شيطان الطاق (يعنى مؤمن الطاق محمد ابن علي بن النعمان الأحول) لسائل سأله: ما منع عليا أن يخاصم أبا بكر في الخلافة؟ فقال:
يا ابن أخي! خاف أن تقتله الجن؟. ثم قال: أما أنا فلا أعتقد أن الجن قتلت سعدا، ولا أن هذا شعر الجن ولا أرتاب أن البشر قتلوه، وأن هذا الشعر شعر البشر، ولكن لم يثبت عندي أن أبا بكر أمر خالدا ولا أستبعد أن يكون فعله من تلقاء نفسه ليرضى بذلك أبا بكر، أو أمر - وحاشاه - فيكون الاثم على خالد وأبو بكر برئ من إثمه، وما ذلك من أفعال خالد ببعيد.
أقول: إذا اعترف بأن أبا بكر أمره، وهو أمير عليه: يجب عليه متابعته، كيف يكون الاثم على خالد وأبو بكر برئ؟ وسيجئ نص البلاذري في ذلك تحت الرقم انشاء الله تعالى.
(٣٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 351 ... » »»
الفهرست