ليلة لم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل والحصا، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ضعف قلوب أكثر المسلمين (1) من حصارهم لهم ووهنهم في حربهم بعث إلى عيينة بن حصن والحارث بن عوف وهما قائدا غطفان يدعوهما إلى صلحه والكف عنه، والرجوع بقومهما عن حربه على أن يعطيهما ثلث ثمار المدينة، واستشار سعد بن عبادة (2) فيما بعث به إلى عيينة والحارث، فقال (3): يا رسول الله إن كان هذا الامر لابد لنا من العمل به لان الله أمرك فيه بما صنعت والوحي جاءك به فافعل ما بدا لك، وإن كنت تختار (4) أن تصنعه لنا كان لنا فيه رأي، فقال صلى الله عليه وآله: " لم يأتني وحي به، ولكني رأيت (5) العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وجاؤكم (6) من كل جانب، فأردت إن اكسر عنكم من شوكتهم إلى أمر ما " فقال سعد بن معاذ: قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان، لا نعرف الله ولا نعبده، ونحن لا نطعمهم من ثمرنا إلا قرى أو بيعا، والآن حين (7) أكرمنا الله بالاسلام وهدانا به (8) وأعزنا بك نعطيهم أموالنا؟ ما بنا (9) إلى هذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الآن قد عرفت ما عندكم، فكونوا على ما أنتم عليه، فإن الله تعالى لم يخذل نبيه ولن يسلمه حتى ينجز له وما وعده.
ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله في المسلمين (10) يدعوهم إلى جهاد العدو ويشجعهم و