بجميع ذلك قطعي كسائر العاديات، لا يقدح فيه احتمال أنهم تركوا المعارضة مع القدرة عليها. أو عارضوا ولم ينقل إلينا لمانع، كعدم المبالاة، وقلة الالتفات، والاشتغال بالمهمات.
وأما وجه إعجازه فالجمهور من العامة والخاصة ومنهم الشيخ المفيد قدس الله روحه على أن إعجاز القرآن بكونه في الطبقة العليا من الفصاحة، والدرجة القصوى من البلاغة، على ما يعرفه فصحاء العرب بسليقتهم، وعلماء الفرق بمهارتهم في فن البيان، وإحاطتهم بأساليب الكلام، هذا مع اشتماله على الاخبار عن المغيبات الماضية والآتية، وعلى دقائق العلوم الإلهية، وأحوال المبدء والمعاد، ومكارم الأخلاق، والارشاد إلى فنون الحكمة العلمية والعملية، والمصالح الدينية والدنيوية، على ما يظهر للمتدبرين، ويتجلي للمتفكرين، وقيل: وجه إعجازه اشتماله على النظم الغريب، والأسلوب العجيب المخالف لنظم العرب ونثرهم في مطالعه ومقاطعه وفواصله، فإنها وقعت في القرآن على وجه لم يعهد في كلامهم، وكانوا عاجزين عنه، وعليه بعض المعتزلة، وقال الباقلاني: وجه الاعجاز مجموع الامرين: البلاغة، والنظم الغريب، وقيل: هو اشتماله على الاخبار بالغيب، وقيل:
عدم اختلافه وتناقضه مع ما فيه من الطول والامتداد، وذهب السيد المرتضى منا وجماعة من العامة منهم النظام إلى الصرفة، على معنى أن العرب كانت قادرة على كلام مثل القرآن قبل البعثة، لكن الله صرفهم عن معارضته، واختلفوا في كيفيته، فقال النظام وأتباعه: صرفهم الله تعالى عنها مع قدرتهم عليها وذلك بصرف دعاويهم إليها مع توفر الأسباب الداعية في حقهم كالتقريع بالعجز، والاستنزال عن الرياسات، والتكليف بالانقياد، فهذا الصرف خارق للعادة فيكون معجزا، وقال السيد رحمه الله فيما نسب إليه:، كان عندهم العلم بنظم القرآن والعلم بأنه كيف يؤلف كلام يساويه أو يدانيه، والمعتاد أن من كان عنده هذان العلمان يتمكن من الاتيان بالمثل، إلا أنهم كلما حاولوا ذلك أزال الله تعالى عن قلوبهم تلك العلوم، والحق هو الأول (1).