النار، لا يخلق (1) من الأزمنة، ولا يغث على الألسنة، لأنه لم يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان، وحجة على كل إنسان، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (2).
بيان: قال الجوهري: غث اللحم يغث ويغث: إذا كان مهزولا، وكذلك غث حديث القوم وأغث أي ردؤ وفسد، وفلان لا يغث عليه شئ، أي لا يقول في شئ إنه ردئ فيتركه انتهى.
أقول: في هذا الحديث إشارة إلى وجه آخر من إعجاز القرآن، وهو عدم تكرره بتكرر القراءة والاستماع، بل كلما أكثر الانسان من تلاوته يصير أشوق إليه، ولا يوجد هذا في كلام غيره.
17 - إعلام الورى: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يكف عن عيب آلهة المشركين، ويقرأ عليهم القرآن فيقولون: هذا شعر محمد، ويقول بعضهم: بل هو كهانة، ويقول بعضهم: بل هو خطب، وكان الوليد بن المغيرة شيخا كبيرا، وكان من حكام العرب يتحاكمون إليه في الأمور وينشدونه الاشعار فما اختاره من الشعر كان مختارا، وكان له بنون لا برحون من مكة، وكان له عبيد عشرة عند كل عبد ألف دينار يتجر بها، وملك القنطار في ذلك الزمان، والقنطار: جلد ثور مملو ذهبا، وكان من المستهزئين برسول الله صلى الله عليه وآله، وكان عم أبي جهل بن هشام، فقال له: يا با عبد شمس ما هذا الذي يقول محمد أسحر أم كهانة أم خطب؟ فقال: دعوني أسمع كلامه، فدنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس في الحجر فقال:
يا محمد أنشدني من شعرك، قال: ما هو بشعر، ولكنه كلام الله الذي به بعث أنبيائه و رسله، فقال: أتل علي منه، فقرأ عليه رسول الله:
" بسم الله الرحمن الرحيم " فلما سمع الرحمن استهزأ فقال: تدعو إلى رجل باليمامة يسمى الرحمن، قال: لا، ولكني أدعو إلى الله وهو الرحمن الرحيم، ثم افتتح سورة حم السجدة، فلما بلغ إلى قوله:: " فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و