إن الله تعالى قد من عليكم ورحمكم فجد دوا له شكرا بأن تتخذوا من هذا الصعيد الذي رحمكم فيه مسجدا، ففعلوا وأخذوا في بناء بيت المقدس، فكان داود عليه السلام ينقل الحجارة لهم على عاتقه، وكذلك خيار بني إسرائيل حتى رفعوه قامة، ولداود عليه السلام يومئذ سبع وعشرون ومائة سنة، فأوحى الله تعالى إلى داود: إن تمام بنائه يكون على يد ابنه سليمان، فلما صار داود ابن أربعين ومائة سنة توفاه الله، واستخلف سليمان فأحب إتمام بيت المقدس فجمع الجن والشياطين فقسم عليهم الاعمال، يخص كل طائفة منهم بعمل فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها (1) الأبيض الصافي من معادنه، وأمر ببناء المدينة من الرخام والصفاح، (2) وجعلها اثني عشر ربضا، وأنزل كل ربض منها سبطا من الأسباط، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقا فرقة يستخرجون الذهب واليواقيت من معادنها، وفرقة يقلعون الجواهر والأحجار من أماكنها، وفرقة يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب، وفرقة يأتونه بالدر من البحار، فأوتي من ذلك بشئ لا يحصيه إلا الله تعالى، ثم أحضر الصناع وأمرهم بنحت تلك الأحجار حتى صيروها ألواحا، ومعالجة تلك الجواهر واللآلي، وبنى سليمان المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر، وعمده بأساطين المها الصافي، وسقفه بألواح الجواهر، (3) وفصص سقوفه وحيطانه باللآلي واليواقيت والجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزج، فلم يكن في الأرض بيت أبهى منه ولا أنور من ذلك المسجد، كان يضئ في الظلمة كالقمر ليلة البدر، فلما فرغ منه جمع إليه خيار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه لله تعالى، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيدا، فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى إذا غزا بخت نصر بني إسرائيل فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد وأخذ ما في سقوفه وحيطانه من الذهب والدرر (4) واليواقيت والجواهر، فحملها إلى دار مملكته من أرض
(٧٧)