واحدا منهم في البحر لم يغرق الباقون، وقيل: إن السفينة احتبست فقال الملاحون: إن ههنا عبدا آبقا، فإن من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجري، فلذلك اقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات فعلموا أنه المطلوب فألقى نفسه في البحر، وقيل: إنه لما وقعت القرعة عليه ألقوه في البحر " فالتقمه الحوت " اي ابتلعه، وقيل: إن الله سبحانه أوحى إلى الحوت: إني لم أجعل عبدي رزقا لك، ولكني جعلت بطنك له مسجدا، فلا تكسرن له عظما، ولا تخدشن له جلدا " وهو مليم " أي مستحق اللوم - لوم العتاب، لا لوم العقاب - على خروجه من بين قومه من غير أمر ربه، وعندنا أن ذلك إنما وقع منه تركا للمندوب، وقد يلام الرجل على ترك المندوب، ومن يجوز الصغيرة على الأنبياء قال: قد وقع ذلك صغيرة مكفرة.
واختلف في مدة لبثه في بطن الحوت فقيل: كان ثلاثة أيام، عن مقاتل بن حيان، وقيل: سبعة أيام، عن عطاء، وقيل: عشرين يوما، عن الضحاك، وقيل: أربعين يوما، عن السدي ومقاتل بن سليمان والكلبي " فلولا أنه كان من المسبحين " أي كان من المصلين في حال الرخاء فنجاه الله عند البلاء، عن قتادة، وقيل: كان تسبيحه أنه كان يقول: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " عن سعيد بن جبير.
وقيل: " من المسبحين " أي من المنزهين الله عما لا يليق به " للبث في بطنه إلى يوم يبعثون " أي لصار بطن الحوت قبرا له إلى يوم القيامة " فنبذناه بالعراء " أي طرحناه بالمكان الخالي الذي لا نبت فيه ولا شجر، وقيل: بالساحل، ألهم الله الحوت حتى قذفه ورماه من جوفه على وجه الأرض " وهو سقيم " أي مريض حين ألقاه الحوت " وأنبتنا عليه شجرة من يقطين " وهو القرع، عن ابن مسعود، وقيل: هو كل نبت يبسط على وجه الأرض ولا ساق له، عن ابن عباس والحسن.
وروى ابن مسعود (1) قال: خرج يونس من بطن الحوت كهيئة فرخ ليس عليه ريش، فاستظل بالشجرة من الشمس " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " قيل: إن الله سبحانه أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل، عن قتادة، وكانت رسالته هذه بعد ما نبذه