علم ولا حكم، وكان روبيل صاحب غنم يرعاها ويتقوت منها، وكان تنوخا رجلا حطابا يحتطب على رأسه ويأكل من كسبه، وكان لروبيل منزلة من يونس غير منزلة تنوخا لعلم روبيل وحكمته وقديم صحبته، فلما رأى يونس عليه السلام أن قومه لا يجيبونه ولا يؤمنون به ضجر وعرف من نفسه قلة الصبر فشكا ذلك إلى ربه، وكان فيما شكا أن قال: يا رب إنك بعثتني إلى قومي ولي ثلاثون سنة، فلبثت فيهم أدعوهم إلى الايمان بك، والتصديق برسالاتي، وأخوفهم عذابك ونقمتك ثلاثا وثلاثين سنة فكذبوني ولم يؤمنوا بي، وجحدوا نبوتي واستخفوا برسالاتي، وقد تواعدوني وخفت أن يقتلوني، فأنزل عليهم عذابك فإنهم قوم لا يؤمنون.
قال: فأوحى الله إلى يونس أن فيهم الحمل والجنين والطفل والشيخ الكبير و المرأة الضعيفة والمستضعف المهين، وأنا الحكم العدل، سبقت رحمتي غضبي، لا أعذب الصغار بذنوب الكبار من قومك، وهم يا يونس عبادي وخلقي وبريتي في بلادي وفي عيلتي أحب أن أتأناهم وأرفق بهم وأنتظر توبتهم، وإنما بعثتك إلى قومك لتكون حيطا عليهم، تعطف عليهم بالرحم الماسة منهم، وتأناهم برأفة النبوة، وتصبر معهم بأحلام الرسالة، وتكون لهم كهيئة الطبيب المداوي، العالم بمداواة الداء، فخرقت بهم، (1) ولم تستعمل قلوبهم بالرفق، ولم تسسهم بسياسة المرسلين، ثم سألتني عن سوء نظرك العذاب لهم عند قلة الصبر منك، وعبدي نوح كان أصبر منك على قومه، وأحسن صحبة وأشد تأنيا في الصبر عندي، وأبلغ في العذر، فغضبت له حين غضب لي وأجبته حين دعاني.
فقال يونس: يا رب إنما غضبت عليهم فيك، وإنما دعوت عليهم حين عصوك، فوعزتك لا أتعطف عليهم برأفة أبدا، ولا أنظر إليهم بنصيحة شفيق بعد كفرهم وتكذيبهم إياي وجحدهم بنبوتي، فأنزل عليهم عذابك فإنهم لا يؤمنون أبدا، فقال الله: يا يونس إنهم مائة ألف أو يزيدون من خلقي، يعمرون بلادي، ويلدون عبادي، ومحبتي أن