بيان: (بتركي مثل هذه العبادة) أي لما عبد الله تعالى في بطن الحوت أحسن العبادة وذكره أحسن الذكر لفراغ باله عن الشواغل خضع لله وأقر بالظلم حيث ترك قبل دخوله في بطن الحوت مثل تلك العبادة، ولعل ذكر الآية الأخيرة لبيان أنه كان مشتغلا بالتسبيح في بطن الحوت، ويحتمل أن يكون عليه السلام تأول الآية بأنه لو لم يكن خارجا من بطن الحوت من المسبحين للبث في بطنه، لأنه كان أصلح له وأفرغ لعبادته، ولكنه لما كان في الخارج أيضا من المسبحين وكان يترتب على خروجه هداية الخلق أيضا فلذا أخرجناه.
ولنذكر بعض ما قيل من التأويلات في تلك الآيات:
قال السيد قدس الله روحه: أما من ظن أن يونس عليه السلام خرج مغاضبا لربه من حيث لم ينزل بقومه العذاب فقد خرج في الافتراء على الأنبياء بسوء الظن بهم عن الحد، وليس يجوز أن يغاضب ربه إلا من كان معاديا (1) وجاهلا بأن الحكمة في سائر أفعاله، وهذا لا يليق بأتباع الأنبياء من المؤمنين فضلا عمن عصمه الله ورفع درجته، وأقبح من ذلك ظن الجهال أنه ظن أن ربه لا يقدر عليه من جهة القدرة التي يصح بها الفعل، ويكاد يخرج عندنا من ظن بالأنبياء مثل ذلك عن باب التمييز والتكليف، ولكن كان غضبه عليه السلام على قومه لمقامهم على تكذيبه وإصرارهم على الكفر ويأسه من إقلاعهم وتوبتهم فخرج من بينهم خوفا من أن ينزل العذاب بهم وهو مقيم بينهم، فأما قوله: " فظن أن لن نقدر عليه " فمعناه أنا لا نضيق عليه المسلك، ونشدد عليه المحنة والتكليف، لان ذلك مما يجوز أن يظنه النبي، ولا شك في أن قول القائل: قدرت وقدرت بالتشديد والتخفيف معناه التضييق، قال الله تعالى: " ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله (2)، وقال تعالى: " الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر (3) " وقال تعالى: " وأما