وكما لا ينقص نور الشمس كثرة من يتقلب فيها بل به يعيش ويحيى كذلك لا ينقص الله كثرة ما يعطيكم ويرزقكم، بل برزقه تعيشون وبه تحيون، يزيد من شكره إنه شاكر عليم.
ويلكم يا أجراء السوء الاجر تستوفون، والرزق تأكلون، والكسوة تلبسون، و المنازل تبنون، وعمل من استأجركم تفسدون؟! يوشك رب هذا العمل أن يطالعكم (1) فينظر في عمله الذي أفسدتم فينزل بكم ما يخزيكم، ويأمر برقابكم فتجذ من أصولها (2) ويأمر بأيديكم فتقطع من مفاصلها، ثم يأمر بجثتكم (3) فتجر على بطونها، حتى توضع على قوارع الطريق، حتى تكونوا عظة للمتقين، ونكالا للظالمين.
ويلكم يا علماء السوء لا تحدثوا أنفسكم أن آجالكم تستأخر من أجل أن الموت لم ينزل بكم، فكأنه قد حل بكم فأظعنكم، فمن الآن فاجعلوا الدعوة في آذانكم، و من الآن فنوحوا على أنفسكم، ومن الآن فابكوا على خطاياكم، ومن الآن فتجهزوا وخذوا أهبتكم، (4) وبادروا التوبة إلى ربكم.
بحق أقول لكم: إنه كما ينظر المريض إلى طيب الطعام فلا يلتذه مع ما يجده من شدة الوجع كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب المال، وكما يلتذ المريض نعت الطبيب العالم بما يرجو فيه من الشفاء فإذا ذكر مرارة الدواء وطعمه كدر عليه الشفاء كذلك أهل الدنيا يلتذون ببهجتها وأنواع ما فيها، فإذا ذكروا فجأة الموت كدرها عليهم وأفسدها.
بحق أقول لكم: إن كل الناس يبصر النجوم ولكن لا يهتدي بها إلا من يعرف مجاريها ومنازلها، وكذلك تدرسون الحكمة ولكن لا يهتدي لها منكم إلا من عمل بها.
ويلكم يا عبيد الدنيا نقوا القمح وطيبوه، وأدقوا طحنه تجدوا طعمه، ويهنئكم أكله،