أكان كاشفا عنها أم يرد على ما انكشف منها؟ قالوا: بل يرد على ما انكشف منها، قال:
كلا بل تكشفون عنها! فعرفوا أنه مثل ضربه لهم، فقالوا: يا روح الله وكيف ذاك؟ قال ذاك الرجل منكم يطلع على العورة من أخيه فلا يسترها. بحق أقول لكم أعلمكم لتعلموا (1) ولا أعلمكم لتعجبوا بأنفسكم، إنكم لن تنالوا ما تريدون إلا بترك ما تشتهون، ولن تظفروا بما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون، إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلوب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة، طوبى لمن جعل بصره في قلبه ولم يجعل بصره في نظر عينه (2) لا تنظروا في عيوب الناس كالأرباب، وانظروا في عيوبهم كهيئة عبيد الناس، إنما الناس رجلان: مبتلى ومعافى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية.
يا بني إسرائيل أما تستحيون من الله؟ إن أحدكم لا يسوغ له شرابه حتى يصفيه من القذى، (3) ولا يبالي أن يبلغ أمثال الغيلة، (4) ألم تسمعوا أنه قيل لكم في التوراة صلوا أرحامكم، وكافوا أرحامكم؟ وأنا أقول لكم: صلوا من قطعكم، وأعطوا من منعكم وأحسنوا إلى من أساء إليكم، وسلموا على من سبكم، وأنصفوا من خاصمكم، واعفوا عمن ظلمكم، كما أنكم تحبون أن يعفى عن إساءتكم فاعتبروا بعفو الله عنكم، ألا ترون أن شمسه أشرقت على الأبرار والفجار منكم، وأن مطره ينزل على الصالحين و الخاطئين منكم؟ فإن كنتم لا تحبون إلا من أحبكم ولا تحسنون إلا إلى من أحسن إليكم ولا تكافئون إلا من أعطاكم فما فضلكم إذا على غيركم؟ قد يصنع هذا السفهاء الذين ليست عندهم فضول ولا لهم أحلام، ولكن إن أردتم أن تكونوا أحباء الله وأصفياء الله فأحسنوا إلى من أساء إليكم، واعفوا عمن ظلمكم، وسلموا على من أعرض عنكم، اسمعوا قولي، و احفظوا وصيتي، وارعوا عهدي كيما تكونوا علماء فقهاء.
بحق أقول لكم: إن قلوبكم بحيث تكون كنوزكم، وكذلك الناس يحبون