أشار إلى قلة اكتراثه (1) بأموال الدنيا، ثم قال سليمان للرسول: " ارجع إليهم " بما جئت به من الهدايا " فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها " أي لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم على دفعها " ولنخرجنهم منها أذلة " أي من تلك القرية ومن تلك المملكة، وقيل: من أرضها وملكها " وهم صاغرون " أي ذليلون صغيروا القدر إن لم يأتوا مسلمين، (2) فلما رد سليمان عليه السلام الهدية وميز بين الغلمان والجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل وأنه ليس كالملوك الذين يغترون بالأموال.
فلما رجع إليها الرسول وعرفت أنه نبي وأنها لا تقاومه فتجهزت للمسير إليه وأخبر جبرئيل عليه السلام سليمان عليه السلام أنها خرجت من اليمن مقبلة إليه قال سليمان لأماثل جنده وأشراف عسكره: " يا أيها الملا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين ".
واختلف في السبب الذي خص العرش بالطلب على أقوال:
أحدها: أنه أعجبته صفته، فأراد أن يراه، وظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها، عن قتادة، وثانيها: أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها، ويختبر هل تعرفه أو تنكره، عن ابن زيد، وقيل: أراد أن يجعل دليلا (3) ومعجزة على صدقه ونبوته، لأنها خلفته في دارها (4) وأوثقته ووكلت به ثقات قومها يحرسونه ويحفظونه، عن وهب، وقال ابن عباس: كان سليمان عليه السلام رجلا مهيبا لا يبتدئ بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فخرج يوما وجلس على سريره فرأى رهجا قريبا منه - أي غبارا - فقال: ما هذا؟ قالوا: بلقيس يا رسول الله، فقال: (5) وقد نزلت منا بهذا المكان! وكان ما بين الكوفة والحيرة على قدر فرسخ، فقال: " أيكم يأتيني بعرشها ".