بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٥٢
الحدوث، فلم ترك إبراهيم عليه السلام الاستدلال على حدوثها بالطلوع، وعول في إثبات هذا المطلوب على الأفول؟ والجواب أنه لا شك أن الطلوع والغروب يشتركان في الدلالة على الحدوث إلا أن الدليل الذي يحتج به الأنبياء في معرض دعوة الخلق كلهم إلى الاله لابد وأن يكون ظاهرا جليا بحيث يشترك في فهمه الذكي والغبي والعاقل، ودلالة الحركة على الحدوث وإن كانت يقينية إلا أنها دقيقة لا يعرفها إلا الأفاضل من الخلق، وأما دلالة الأفول فكانت على هذا المقصود أتم; وأيضا قال بعض المحققين: الهوي في خطيرة الامكان أفول، (1) وأحسن الكلام ما يحصل فيه حصة الخواص وحصة الأوساط وحصة العوام، فالخواص يفهمون من الأفول الامكان، وكل ممكن محتاج، والمحتاج لا يكون مقطعا للحاجة، (2) فلابد من الانتهاء إلى ما يكون منزها عن الامكان حتى تنقطع الحاجات بسبب وجوده كما قال: " وأن إلى ربك المنتهى " (3) وأما الأوساط فإنهم يفهمون من الأفول مطلق الحركة، فكل متحرك محدث، وكل محدث فهو محتاج إلى القديم القادر، فلا يكون الآفل إلها بل الاله هو الذي احتاج إليه هذا الآفل، وأما العوام فإنهم يفهمون من الأفول الغروب وهم يشاهدون أن كل كوكب يقرب من الأفول، فإنه يزول نوره وينتقص ضوؤه ويذهب سلطانه ويصير كالمعدوم، ومن كان كذلك فإنه لم يصلح للآلهية، فهذه الكلمة الواحدة أعني قوله: " لا أحب الآفلين " كلمة مشتملة على نصيب المقربين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال، فكانت أكمل الدلائل و أفضل البراهين، وفيه دقيقة أخرى وهي أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين، ومذهب أهل النجوم أن الكواكب إذا كان في الربع الشرقي ويكون صاعدا إلى وسط السماء كان قويا عظيم التأثير، وأما إذا كان غريبا وقريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف الأثر، قليل القوة، فنبه بهذه الدقيقة على أن الاله هو الذي لا يتغير قدرته إلى العجز، وكماله إلى النقص، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي يكون ضعيف القوة، ناقص التأثير، عاجزا عن التدبير، وذلك يدل على القدح في إلهيته، فظهر أن

(1) في المصدر: في خطرة الامكان. م (2) " ": مقطوع الحاجة. م (3) النجم: 42.
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»
الفهرست