بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٥٣
على قول المنجمين للأفول مزيد اختصاص في كونه موجبا للقدح في الإلهية انتهى. (1) أقول: يمكن إرجاع كلامه عليه السلام إلى الدليل المشهور بين المتكلمين من عدم الانفكاك عن الحوادث، والاستدلال به على إمكانها وافتقارها إلى المؤثر، أو إلى أنها محل للتغيرات والحوادث، والواجب تعالى لا يكون كذلك، أو إلى أن الأفول والغروب نقص وهو لا يجوز على الصانع، أو إلى أن هذه الحركة الدائمة المستمرة تدل على أنها مسخرة لصانع كما مر في كتاب التوحيد، والعقل يحكم بأن الصانع مثل هذا الخلق لا يكون مصنوعا، أو أن الغيبة والحضور والطلوع والأفول من خواص الأجسام ويلزمها الامكان لوجوه شتى، ولعل الوجه الثاني والثالث بتوسط ما ذكره الرازي أخيرا أظهر الوجوه، وأما ما سواهما فلا يخفى بعدها، ولنقتصر على ذلك فإن بسط القول في تلك البراهين يوجب الاطناب الذي عزمنا على تركه في هذا الكتاب.
الخامسة. تأويل قوله تعالى: " بل فعله كبيرهم " ويمكن توجيهه بوجوه:
الأول: ما ذكره السيد المرتضى قدس الله روحه وهو أن الخبر مشروط غير مطلق لأنه قال: " إن كانوا ينطقون " ومعلوم أن الأصنام لا تنطق، وأن النطق مستحيل عليها، فما علق بهذا المستحيل من الفعل أيضا مستحيل، وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بهذا القول تنبيه القوم وتوبيخهم وتعنيفهم بعبادة من لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يقدر أن يخبر عن نفسه بشئ، فقال: إن كانت هذه الأصنام تنطق فهي الفاعلة للتكسير، لان من يجوز أن ينطق يجوز أن يفعل، وإذا علم استحالة النطق عليها علم استحالة الفعل، وعلم باستحالة الامرين أنه لا يجوز أن تكون آلهة معبودة، وأن من عبدها ضال مضل، ولا فرق بين قوله: إنهم فعلوا ذلك إن كانوا ينطقون وبين قوله: إنهم ما فعلوا ذلك ولا غيره لأنهم لا ينطقون ولا يقدرون، وأما قوله: " فاسئلوهم " فإنما هو أمر بسؤالهم أيضا على شرط، والنطق منهم شرط في الامرين فكأنه قال: إن كانوا ينطقون فاسألوهم فإنه لا يمتنع أن يكونوا فعلوه، وهذا يجري مجرى قول أحدنا لغيره: من فعل هذا الفعل؟ فيقول: زيد إن كان فعل كذا وكذا، ويشير إلى فعل يضيفه السائل إلى زيد، وليس في الحقيقة من فعله ويكون غرض المسؤول نفي الامرين عن زيد، وتنبيه السائل على خطائه في إضافة

(1) مفاتيح الغيب 4: 80، وفيه: للقدح في إلهيته. م
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست