بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٢٠٥
هذا الحجر، فقال ذو القرنين: فأخبرنا به وبينه لنا، فتناول الخضر الميزان فوضع الحجر الذي جاء به ذو القرنين في كفة الميزان، ثم وضع حجرا آخر في كفة أخرى، ثم وضع كفة تراب على حجر ذي القرنين يزيده ثقلا ثم رفع الميزان فاعتدل، وعجبوا وخروا سجدا لله تعالى وقالوا: أيها الملك هذا أمر لم يبلغه علمنا وإنا لنعلم أن الخضر ليس بساحر فكيف هذا وقد وضعنا معه ألف حجر كلها مثله فمال بها وهذا قد اعتدل به وزاده ترابا؟
قال ذو القرنين: بين يا خضر لنا أمر هذا الحجر، قال الخضر: أيها الملك إن أمر الله نافذ في عباده، وسلطانه قاهر، وحكمه فاصل وإن الله ابتلى عباده بعضهم ببعض، وابتلى العالم بالعالم، والجاهل بالجاهل، والعالم بالجاهل، والجاهل بالعالم، وإنه ابتلاني بك، وابتلاك بي، فقال ذو القرنين: يرحمك الله يا خضر إنما تقول: ابتلاني بك حين جعلت أعلم مني وجعلت تحت يدي أخبرني يرحمك الله عن أمر هذا الحجر، فقال الخضر: أيها الملك إن هذا الحجر مثل ضربه لك صاحب الصور، يقول: إن مثل بني آدم مثل هذا الحجر الذي وضع ووضع معه ألف حجر فمال بها، ثم إذا وضع عليه التراب شبع وعاد حجرا مثله، فيقول: كذلك مثلك أعطاك الله من الملك ما أعطاك فلم ترض به حتى طلبت أمرا لم يطلبه أبدا من كان قبلك، ودخلت مدخلا لم يدخله إنس ولا جان، يقول: كذلك ابن آدم ولا يشبع حتى يحثى عليه التراب، قال: فبكى ذو القرنين بكاء شديدا وقال: صدقت يا خضر يضرب لي هذا المثل، لا جرم إني لا أطلب أثرا في البلاد بعد مسلكي هذا، ثم انصرف راجعا في الظلمة فبينا هم يسيرون إذ سمعوا خشخشة تحت سنابك (1) خيلهم، فقالوا: أيها الملك ما هذا؟ فقال: خذوا منه، فمن أخذ منه ندم، ومن تركه ندم، فأخذ بعض وترك بعض، فلما خرجوا من الظلمة إذا هم بالزبرجد فندم الاخذ والتارك، ورجع ذو القرنين إلى دومة الجندل وكان بها منزله، فلم يزل بها حتى قبضه الله إليه. قال: وكان صلى الله عليه وآله (2) إذا حدث بهذا الحديث قال: رحم الله أخي ذا القرنين ما كان مخطئا إذ سلك ما سلك وطلب ما طلب.
ولو ظفر بوادي الزبرجد في مذهبه لما ترك فيه شيئا إلا أخرجه إلى الناس لأنه كان راغبا،

(1) جمع السنبك: طرف الحافر.
(2) في نسخة: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست