بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٣٣
باطل لان قوله: " فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك " يدل على أن ذلك الابن لما قدر على السعي ووصل إلى حد القدرة على الفعل أمر الله تعالى إبراهيم بذبحه، وهذه تنافي وقوع هذه القصة في زمان آخر، فثبت أنه لا يجوز أن يكون الذبيح هو إسحاق.
الحجة الخامسة: حكى الله تعالى عنه أنه قال: " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " ثم طلب من الله تعالى ولدا ليستأنس به في غربته قال: " رب هب لي من الصالحين " وهذا السؤال إنما يحسن قبل أن يحصل له الولد، لأنه لو حصل له ولد واحد لما طلب الولد الواحد لان طلب الحاصل محال، وقوله: " هب لي من الصالحين " لا يفيد إلا طلب الواحد، وكلمة من للتبعيض، وأقل درجات البعضية الواحد، فكان قوله: " من الصالحين " لا يفيد إلا طلب الولد الواحد، فثبت أن هذا السؤال لا يحسن إلا عند عدم كل الأولاد فثبت أن هذا السؤال وقع حال طلب الولد الأول، وأجمع الناس على أن إسماعيل متقدم في الوجود على إسحاق فثبت أن المطلوب بهذا الدعاء هو إسماعيل. ثم إن الله تعالى ذكر عقيبه قصة الذبح، فوجب أن يكون الذبيح هو إسماعيل.
الحجة السادسة: الاخبار كثيرة في تعليق قرني الكبش بالكعبة وكان الذبح بمكة ولو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح بالشام.
واحتج من قال بأنه إسحاق بأن أول الآية وآخرها يدل على ذلك، أما أولها فإنه تعالى حكى عن إبراهيم عليه السلام قبل هذه الآية أنه قال: " إني ذاهب إلى ربي سيهدين " وأجمعوا على أن المراد مهاجرته إلى الشام، ثم قال: " فبشرناه بغلام حليم " فوجب أن يكون هذا الغلام الحليم قد حصل له في الشام، وذلك الغلام ليس إلا إسحاق، ثم قال بعده: " فلما بلغ معه السعي " هو ذلك الغلام الذي حصل في الشام، فثبت أن مقدمة هذه الآية تدل على أن الذبيح هو إسحاق; وأما مؤخرة الآية فهي أيضا تدل على ذلك لأنه تعالى لما تمم قصة الذبيح قال بعده: " وبشرناه بإسحق نبيا من الصالحين " و معناه أنه بشره بكونه نبيا من الصالحين، وذكر هذه البشارة عند حكاية تلك القصة يدل على أنه تعالى إنما بشره بهذه النبوة لأجل أنه تحمل الشدائد في قصة الذبح
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست