قومهم قد كذبوهم تكذيبا " عاما " حتى أنه لا يصلح واحد منهم، عن عائشة والحسن و قتادة وأبي علي الجبائي. ومن خفف فمعناه: ظن الأمم أن الرسل كذبوهم فيما أخبروهم به من نصر الله تعالى إياهم، وإهلاك أعدائهم، عن ابن عباس وابن مسعود وابن جبير و مجاهد وابن زيد والضحاك وأبي مسلم. وقيل: يجوز أن يكون الضمير في " ظنوا " راجعا " إلى الرسل أيضا، ويكون معناه: وعلم الرسل أن الذين وعدوهم الإيمان من قومهم أخلفوهم، أو كذبوا فيما أظهروه من الإيمان، وروي أن سعيد بن جبير والضحاك اجتمعا في دعوة، فسئل سعيد بن جبير عن هذه الآية كيف تقرؤها؟ فقال: " وظنوا أنهم قد كذبوا " بالتخفيف بمعنى: وظن المرسل إليهم أن الرسل كذبوهم، فقال الضحاك ما رأيت كاليوم قط، لو رحلت في هذه إلى اليمن كان قليلا ".
وروى ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: كانوا بشرا " فضعفوا ويئسوا وظنوا أنهم أخلفوا، ثم أخلفوا، ثم تلا قوله تعالى: " حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله " الآية، وهذا باطل لا يجوز أن ينسب مثله إلى الأنبياء عليهم السلام انتهى.
أقول: ما ذكره عليه السلام غير تلك الوجوه وتوجيهه واضح، ويمكن إرجاعه إلى أول وجهي التخفيف كما روي عن ابن عباس، بأن يقرأ " كذبوا " على المعلوم، فيكون بيانا " لحاصل المعنى، لكنه بعيد.
وأما ما ذكره عليه السلام في قوله تعالى: " ليغفر لك الله " فالظاهر أن الغفر فيه بمعنى الستر كما هو معناه في أصل اللغة، وسيأتي الكلام فيه وفي غيره في مواضعها مفصلا " إن شاء الله تعالى، وسيجئ بعض أخبار هذا الباب في ذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام، وسيجئ خبر آدم وأنه وهب عمره لداود في خبر الثمالي، ويدل على جواز السهو على بعض الأنبياء عليهم السلام وسنتكلم عليه.
9 - تفسير علي بن إبراهيم: قوله: " حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا " فإنه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وكلهم الله إلى أنفسهم فظنوا أن الشيطان قد تمثل لهم في صورة الملائكة. (1)