ثم غيره بعد أصحاب كسرى والنعمان بن منذر، ثم غيره زياد بن أبي سفيان، فقلت له:
جعلت فداك وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح؟ فقال: نعم يا مفضل وكان منزل نوح وقومه في قرية على متن الفرات (1) مما يلي غربي الكوفة، فقال: وكان نوح رجلا " نجارا " فجعله الله نبيا " وانتجبه، ونوح أول من عمل سفينة تجري على ظهر الماء، وإن نوحا " لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما " يدعوهم إلى الهدى فيهزؤون به ويسخرون منه فلما رأى ذلك منم دعا عليهم فقال: " رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا " " إلى قوله:
" إلا فاجرا " كفارا " " قال: فأوحى الله إليه يا نوح اصنع الفلك وأوسعها وعجل عملها بأعيننا ووحينا، فعمل نوح سفينته في مسجد الكوفة بيده يأتي بالخشب من بعد حتى فرغ منها. قال مفضل: ثم انقطع حديث أبي عبد الله عليه السلام عند زوال الشمس (2) فقام فصلى الظهر ثم العصر ثم انصرف من المسجد فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الداريين وهو في موضع دار ابن حكيم وذلك فرات اليوم، وقال لي: يا مفضل ههنا نصبت أصنام قوم نوح: يغوث ويعوق ونسرا "، ثم مضى حتى ركب دابته، فقلت له: جعلت فداك في كم عمل سفينة نوح (3) حتى فرغ منها؟ قال: في الدورين، فقلت: وكم الدوران؟ قال:
ثمانون سنة، قلت: فإن العامة تقول عملها في خمسمائة عام، قال: فقال: كلا، كيف والله يقول: " ووحينا ". (4) بيان: يمكن حمل الاختلاف الواقع في زمان عمل السفينة على أنه لم يحسب في بعض الأخبار زمان بعض مقدمات عملها كتحصيل الخشب ونحو ذلك، ثم إن الظاهر من الخبر أنه عليه السلام فسر الوحي هنا بالسرعة كما صرح الجوهري بمجيئه بهذا المعنى، وحمله المفسرون على معناه المشهور، قال الشيخ الطبرسي: معناه: وعلى ما أوحينا إليك من صفتها وحالها، عن أبي مسلم، وقيل: المراد بوحينا: أن أصنعها. (5)