إن الله فضل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقربين، وفضلني على جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك - وساق الحديث إلى أن قال -: ثم إن الله تبارك وتعالى خلق آدم فأودعنا صلبه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما " لنا وإكراما " وكان سجودهم لله عز وجل عبودية ولآدم إكراما " وطاعة، لكوننا في صلبه، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سجدوا لآدم كلهم أجمعون؟ الخبر. (1) تحقيق: اعلم أن المسلمين قد أجمعوا على أن ذلك السجود لم يكن سجود عبادة لأنها لغير الله تعالى توجب الشرك، ثم اختلفوا على ثلاثة أقوال:
الأول: أن ذلك السجود كان لله تعالى، وآدم على نبينا وآله وعليه السلام كان قبلة، وهو قول أبي علي الجبائي وأبي القاسم البلخي وجماعة.
والثاني: أن السجود في أصل اللغة هو الانقياد والخضوع، قال الشاعر: ترى الأكم فيها سجدا " للحوافر. أي الجبال الصغار والتلال كانت مذللة لحوافر الخيول، ومنه قوله تعالى: " والنجم والشجر يسجدان (2) " وأورد عليه بأن المتبادر من السجود وضع الجهة على الأرض فيجب الحمل عليه ما لم يدل دليل على خلافه، ويؤيده قوله تعالى: " فقعوا له ساجدين " (3) ويدل على صريحا " بعض الأخبار المتقدمة.
والثالث: أن السجود كان تعظيما " لآدم على نبينا وآله وعليه السلام وتكرمة له، وهو في الحقيقة عبادة لله تعالى لكونه بأمره، وهو مختار جماعة من المفسرين، وهو الأظهر من مجموع الأخبار التي أوردناها، وإن كان الخبر الأول يؤيد الوجه الأول. (4) ثم اعلم أنه قد ظهر مما أوردنا من الأخبار أن السجود لا يجوز لغير الله ما لم يكن عن أمره، وأن المسجود له لا يكون معبودا " مطلقا "، بل قد يكون السجود تحية لا عبادة وإن يجز إيقاعه إلا بأمره تعالى، وأن أمره سبحانه للملائكة بالسجود لآدم على