وعن العجب بأن مدح النفس غير ممنوع منه مطلقا "، كما قال تعالى: " وأما بنعمة ربك فحدث " على أنهم إنما ذكروه لتتمة تقرير الشبهة.
وعن الاعتذار بأنه لا يستلزم الذنب بل قد يكون لترك الأولى.
ثم إن العلماء ذكروا في إخبار الملائكة عن الفساد والسفك وجوها.
منها: أنهم قالوا ذلك ظنا " لما رأوا من حال الجن الذين كانوا قبل آدم عليه السلام في الأرض، وهو المروي عن ابن عباس والكلبي، ويؤيده ما رويناه عن تفسير الإمام عليه السلام سابقا، أو أنهم عرفوا خلقته وعلموا أنه مركب من الأركان المتخالفة والأخلاط المتنافية الموجبة للشهوة التي منها الفساد والغضب الذي منه سفك الدماء.
ومنها أنهم قالوا ذلك على اليقين، لما يروى عن ابن مسعود وغيره أنه تعالى لما قال للملائكة: " إني جاعل في الأرض خليفة " قالوا ربنا: وما يكون الخليفة؟ قال: تكون له ذرية يفسدون في الأرض، ويتحاسدون، ويقتل بعضهم بعضا "، فعند ذلك قالوا: ربنا أتجعل فيها، أو أنه تعالى كان قد أعلم الملائكة أنه إذا كان في الأرض خلق عظيم أفسدوا فيها، ويسفك الدماء، (1) أو أنه لما كتب القلم في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة فلعلهم طالعوا اللوح فعرفوا ذلك، أو لأن معنى الخليفة إذا كان النائب عن الله في الحكم والقضاء، والاحتياج (2) إنما يكون عند التنازع والتظالم، كأن الإخبار عن وجود الخليفة إخبار عن وقوع الفساد والشر بطريق الالتزام، وقيل: لما خلق الله النار خافت الملائكة خوفا " شديدا " فقالوا: لم خلقت هذه النار؟ قال: لمن عصاني من خلقي، ولم يكن يومئذ لله خلق إلا الملائكة، فلما قال: " إني جاعل في الأرض خليفة " عرفوا أن المعصية منهم، وجملة القول في ذلك أنه لما ثبت بالنصوص وإجماع الفرقة المحقة عصمة الملائكة لا بد من تأويل ما يوهم صدور المعصية منهم على نحو ما مر في عصمة الأنبياء عليهم السلام.
57 - قصص الأنبياء: بالإسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن محبوب، عن مقاتل بن سليمان (3)