بعض أهل الخلاف قد احتج علي في دفع هذا بأن قال: وردت الرواية عن علي (عليه السلام) أنه قال: (ما حد ثني أحد بحديث إلا استحلفته عليه، ولقد حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر) فلو كان يعلم (عليه السلام) جميع الدين ولا يفتقر إلى غيره لما احتاج إلى استحلاف من يحدثه، ولا الاستظهار في يمينه ليصح عنده علم ما اخبر به، وقد روي أيضا أنه صلوات الله عليه حكم في شئ فقال له شاب من القوم: أخطأت يا أمير المؤمنين فقال (عليه السلام):
صدقت أنت وأخطأت! فماذا يكون الجواب عن هذا الكلام؟ وكيف الطريق إلى حله.
فقلت: أول ما في هذا الكلام أن الاخبار لا تتقابل ويحكم بعضها على بعض حتى تتساوى في الصفة، فيكون الظاهر المستفيض مقابلا لمثله في الاستفاضة، والمتواتر مقابلا لمثله في التواتر، والشاذ مقابلا لمثله في الشذوذ، وما ذكرناه عن مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) مستفيض قد تواتر به الخبر على التحقيق، وما ذكره هذا الرجل عنه (عليه السلام) من الحديثين فأحدهما شاذ وارد من طريق الآحاد غير مرضي الاسناد، والآخر ظاهر البطلان لانقطاع إسناده، وعدم وجوده في نقل معروف من الثقات، وليس يجوز المقابلة في مثل هذه الأخبار، بل الواجب إسقاط الظاهر منها الشاذ وإبطال المتواتر ما ضاده من الآحاد.
والثاني: أنه لما ذكره الخصم من الحديث الأول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) غير وجه يلائم ما ذكرناه من فضل مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه في العلم على سائر الأنام.
منها: أنه صلوات الله عليه إنما كان يستحلف على الاخبار لئلا يجترئ مجترئ على الإضافة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) بسماع ما لم يسمعه منه، وإنما القي إليه عنه فحصل عنده بالبلاغ.
ومنها: أنه (عليه السلام) كان يستحلف مع العلم بصدق المخبر ليتأكد خبره عند غيره من السامعين (1) فلا يشك فيه ولا يرتاب.
ومنها: أنه (عليه السلام) استحلف فيما عرفه يقينا ليكون ذلك حجة له إذا حكم على أهل العناد، (2) ولا يقول منهم قائل عند حكمه بذلك: قد حكم بالشاذ.