كانوا (عليهم السلام) يختارون ما اختاروا من قول الصحابة والتابعين، فتفرق مجموع أخبارهم في مذاهب الفقهاء.
فقلت له: فإن هذا بعينه موجود في مذهب مالك وأبي حنيفة والشافعي ومن عددت، لان هؤلاء تخيروا من أقوال الصحابة والتابعين، فكان يجب أن لا نعلم مذاهبهم باضطرار، على أنك إن قنعت بهذا الاعتلال فإنا نعتمد عليه في جوابك فنقول: إننا إنما تعرينا من علم الاضطرار بمذاهبهم (عليهم السلام)، لان الفقهاء تقسموا مذاهبهم المنصوصة عندنا فدانوا بها على سبيل الاختيار، لان قولهم متفرق في مقال الفقهاء فلذلك لم يقع العلم به باضطرار.
فقال: فهب أن الامر كما وصفت، ما بالنا لا نعلم ما رويتم عنهم من خلاف جميع الفقهاء علم اضطرار؟ فقلت له: ليس شئ مما تومئ إليه إلا وقد قاله صحابي أو تابعي وإن اتفق من ذكرت من فقهاء الأمصار على خلافه الآن، فلما قد منا مما رضيته من الاعتلال لم يحصل علم الاضطرار، مع أنك تقول لا محالة بأن قولهم عليهم السلام في هذه الأبواب بخلاف ما عليه غيرهم فيها، وهو ما أجمع عليه عندك فقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين بإحسان فما بالنا لا نعلم ذلك من مقالهم علم اضطرار؟ وليس هو مما تحدثته مذاهب الفقهاء ولا اختلف فيه عندك من أهل الاسلام أحد، فبأي شئ تعلقت في ذلك تعلقنا به في إسقاط سؤالك، والله الموفق للصواب فلم يأت بشئ تجب حكايته، والحمد لله.
قال السيد رضي الله عنه: وقلت للشيخ عقيب هذه الحكاية لي: إن حمل هؤلاء القوم أنفسهم على أن يقولوا: إن جعفر بن محمد وأباه محمد بن علي وابنه موسى بن جعفر عليهم السلام لم يكونوا من أهل الفتيا، لكنهم كانوا من أهل الزهد والصلاح؟.
قال: يقال لهم: هب أنا سامحناكم في هذه المكابرة وجوزناها لكم، أليس من قولكم وقول كل مسلم وذمي وعدو لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وولي له أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان من أهل الفتيا؟ فلابد من أن يقولوا: بلى، فيقال لهم: فما بالنا لا نعلم جميع مذاهبه في الفتيا كما نعلم جميع مذاهب من عددتموه من فقهاء الأمصار بل