واختلفوا في المزاج والخلاص فزعم بعضهم أن النور داخل الظلمة والظلمة تلقاه بخشونة وغلظ فتأذى بها وأحب أن يرققها ويلينها ثم يتخلص منها، وليس ذلك لاختلاف جسمها، (1) ولكن كما أن المنشار جنسه حديد وصفيحته لينة وأسنانه خشنة فاللين في النور، والخشونة في الظلمة، وهما جنس واحد فتلطف للنور بلينة حتى يدخل تلك الفرح، (2) فما أمكنه إبتلك الخشونة، فلا يتصور الوصول إلى كمال ووجود إلا بلين وخشونة.
وقال بعضهم: بل الظلام احتال حتى تشبث بالنور من أسفل صفيحته فاجتهد النور حتى يتخلص منه ويدفعها عن نفسه فاعتمد عليه فلحج (3) فيه، وذلك بمنزلة الانسان الذي يريد الخروج من وحل وقع فيه فيعتمد على رجله ليخرج فيزداد ولوجا فيه، (4) فاحتاج النور إلى زمان ليعالج التخلص منه والتفرد بعالمه.
وقال بعضهم: إن النور إنما دخل الظلام اختيارا ليصلحها ويستخرج منها أجزاء صالحة لعالمه، فلما دخل تشبث به زمانا فصار يفعل الجور والقبيح اضطرارا لا اختيارا، ولو انفرد في عالمه ما كان يحصل منه إلا الخير المحض والحسن البحت، وفرق بين الفعل الضروري وبين الفعل الاختياري انتهى. (5)