وأما ما ذكره (عليه السلام) في الحياة والموت فيرجع إلى ما ذكرنا، وملخصه أنه لا يخلو إما أن تكون مادة الكل حيا بذاته أو ميتا بذاته، أو تكون الأشياء من أصلين:
أحدهما حي بذاته، والآخر ميت بذاته، وهذا أيضا يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون كل شئ مأخوذا من كل من الحي والميت، والثاني أن يكون الحي مأخوذا من الحي و الميت مأخوذا من الميت، فأبطل (عليه السلام) الأول بأنه لو حصل الميت بذاته عن الحي بذاته يلزم زوال الحياة الأزلية عن هذا الجزء من المادة وقد مر امتناعه، أو تبدل الحقيقة التي يحكم العقل بديهة بامتناعه ولو قيل بإعدام الحي وإنشاء الميت فيلزم المفسدة الأولى مع الاقرار بالمدعى وهو حدوث الشئ لامن شئ وبهذا يبطل الثاني وكذا الثالث، لان الجزء الحي من المادة يجري فيه ما سبق إذا حصل منه ميت وأشار إليه بقوله: (لان الحي لا يجئ منه ميت) وأشار إلى الرابع بقوله: (ولا يجوز أن يكون الميت قديما) وبه يبطل الثاني والثالث أيضا، وتقريره أن الأزلي لابد أن يكون واجب الوجود بذاته كاملا بذاته، لشهادة العقول بأن الاحتياج والنقص من شواهد الامكان المحوج إلى المؤثر والموجد فلا يكون الأزلي ميتا.
قوله (عليه السلام): (واضطرار النفس) عطف على دوران الفلك. قوله: (أمختلف هو أم مؤتلف) أي أهو مركب من أجزاء مختلفة الحقيقة، أم من أجزاء متفقة الحقيقة، فأجاب (عليه السلام) بنفيهما.
قوله (عليه السلام): (فلا يكون دار عمل دار جزاء) أي لا يصلح كون دار العمل دار جزاء، لان الاختيار والتكليف يقتضي كون دار العمل مشوبا بالراحة والآلام والصحة والأسقام، ولا تكون ذات نعم خالصة ليصلح لكونها محل جزاء للمطيعين، ولا يكون عقوباتها خالصة وإلا لزم الالجاء وينافي التكليف فلا يصلح كونها دار عقاب للعاصين والكافرين.
قوله (عليه السلام): (أنه بمنزلة الطب) أي أن الله تعالى كما جعل لبعض الأدوية المضرة تأثيرا في البدن ثم جعل في بعض الأدوية ما يدفع ضرر تلك الأدوية فكذلك جعل لبعض