ما بين في قوله سبحانه: " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر " الآية. (1) وفي قوله تعالى: " يا أهل الكتاب " قيل: إنه خطاب لليهود والنصارى لان النصارى غلت في المسيح فقالوا: هو ابن الله، وبعضهم قال: هو الله، وبعضهم قال: هو ثالث ثلاثة:
الأب، والابن، وروح القدس، واليهود غلت فيه حتى قالوا: ولد لغير رشدة، فالغلو لازم للفريقين، وقيل: للنصارى خاصة " ولا تقولوا ثلاثة " هذا خطاب للنصارى، أي لا تقولوا: آلهتنا ثلاثة، وقيل: هذا لا يصح لان النصارى لم يقولوا بثلاثة آلهة، ولكنهم يقولون: إله واحد ثلاثة أقانيم: أب وابن وروح القدس، ومعناه: لا تقولوا: الله ثلاثة، وقد شبهوا قولهم: جوهر واحد ثلاثة أقانيم بقولنا: سراج واحد، ثم نقول: إنه ثلاثة أشياء: دهن وقطن ونار، وشمس واحدة وإنما هي جسم وضوء وشعاع، وهذا غلط بعيد، لأنا لا نعني بقولنا: سراج واحد أنه شئ واحد، بل هو أشياء على الحقيقة، وكذلك الشمس، كما تقول: عشرة واحدة، وإنسان واحد، ودار واحدة، وإنما هي أشياء متغايرة، فإن قالوا: إن الله شئ واحد وإله واحد حقيقة فقولهم: ثلاثة متناقضة، وإن قالوا: إنه في الحقيقة أشياء كما ذكرناه فقد تركوا القول بالتوحيد والتحقوا بالمشبهة، وإلا فلا واسطه بين الامرين انتهى. (1) وقال الرازي في تفسيره: المعنى: لا تقولوا: إن الله سبحانه واحد بالجوهر ثلاثة بالأقانيم.
واعلم أن مذهب النصارى مجهول جدا، والذي يتحصل منهم أنهم أثبتوا ذاتا موصوفا بصفات ثلاثة، إلا أنهم وإن سموا تلك الصفات بأنها صفات فهي في الحقيقة ذوات، بدليل أنهم يجوزون عليها الحلول في عيسى وفي مريم، ولولا أنها ذوات قائمة بأنفسها لما جوزوا عليها أن يحل في الغير وأن يفارق ذاتا إلى أخرى، فهم وإن كانوا يسمونها بالصفات إلا أنهم في الحقيقة يثبتون ذواتا متعددة قائمة بأنفسها، وذلك محض الكفر.
ثم قال: اختلفوا في تعيين المبتدأ لقوله: " ثلاثة " على أقوال: الأول: ما ذكرناه،