بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩ - الصفحة ١٩٦
رقبة الأرض، أو بظلم لمزارعه وأكرته، لان الله يقول: " فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرا " يعني لحوم الإبل والبقر والغنم، هكذا أنزلها الله فاقرؤوها هكذا، وما كان الله ليحل شيئا في كتابه ثم يحرمه بعد ما أحله، ولا يحرم شيئا ثم يحله بعد ما حرمه، قلت: وكذلك أيضا: " ومن الإبل و البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما "؟ قال: نعم، قلت: فقوله: " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه "؟ قال: إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم الإبل يهيج عليه وجع الخاصرة فحرم على نفسه لحم الإبل، وذلك من قبل أن تنزل التوراة، فلما نزلت التوراة لم يحرمه ولم يأكله (1).
بيان: أقول: رواه العياشي، عن ابن أبي يعفور، وساقه إلى قوله: يعني لحوم الإبل والبقر والغنم، وقال: إن إسرائيل كان إذا أكل من لحم البقر، إلى آخر الخبر.
ولعله إنما أسقط الزوائد لاعضالها وعدم استقامة معناها بلا تكلف، والذي سنح لي في حله أنه عليه السلام قرأ: " حرمنا عليهم " بالتخفيف، أي جعلناهم محرومين من تلك الطيبات، وإنما عدي بعلى بتضمين معنى السخط ونحوه، والحاصل أنهم لما ظلموا أنفسم بارتكاب المحرمات سلبنا عنهم اللطف والتوفيق حتى ابتدعوا وحرموا الطيبات على أنفسهم.
ثم استدل عليه السلام على أن هذه القراءة أولى وهذا المعنى أحرى بأن ظلم اليهود كان بعد موسى على نبينا وآله وعليه السلام، ولم ينسخ التوراة كتاب بعده سوى الإنجيل، واليهود لم يعملوا بحكم الإنجيل، فتعين أن يكون التحريم من قبل أنفسهم فقوله ثم يحرمه بعد ما أحله أي في غير هذا الكتاب وبعد ذهاب النبي الذي نزل عليه الكتاب، فلا ينافي نسخ الكتاب بالكتاب وبالسنة، ثم سأل السائل عن قوله:
" حرمنا عليهم شحومهما " فقال عليه السلام: هنا أيضا كذلك بالتخفيف بهذا المعنى، وأما قوله تعالى: " إلا ما حرم إسرائيل على نفسه " فهو بالتشديد لأنه مصرح بأنه إنما حرم على نفسه بفعله ولم يحرمه الله عليه، ويحتمل على بعد أن يكون المعنى أنه عليه السلام

(1) تفسير القمي: 146 - 147.
(١٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 191 192 193 194 195 196 197 198 199 200 201 ... » »»
الفهرست