كميل احفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم (1) ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، يا كميل العلم خير من المال العلم يحرسك وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الانفاق، يا كميل محبة العالم دين يدان به، يكسبه الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته فمنفعة، المال تزول بزواله، يا كميل مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة و أمثالهم في القلوب موجودة، هاه (2) إن ههنا - وأشار بيده إلى صدره - لعلما لو أصبت له حملة بلى أصبت له لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين في طلب الدنيا، ويستظهر بحجج الله على خلقه، وبنعمه على عباده ليتخذه الضعفاء وليجة من دون ولي الحق، أو منقادا لحملة العلم، لا بصيرة له في أحنائه يقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة، ألا لاذا ولا ذاك، فمنهوم باللذات، سلس القياد للشهوات، أو مغرى بالجمع والادخار ليسا من رعاة الدين (3)، أقرب شبها بهما الانعام السائمة! كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم بحجة ظاهر، أو خافي (4) مغمور، لئلا تبطل حجج الله وبيناته، وكم ذا وأين أولئك الأقلون عددا الأعظمون خطرا؟ بهم يحفظ الله حججه حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الأمور، فباشروا روح اليقين، واستلانوا ما استوعره المترفون، وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الاعلى، يا كميل أولئك خلفاء الله، والدعاة إلى دينه، هاي هاي شوقا إلى رؤيتهم، واستغفر الله لي ولكم.
5 - تحف العقول: إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، احفظ عني ما أقول. إلى آخر الخبر.