ويمكن أن يكون يسري فعلا من قولهم: سرى عنه الهم، أي انكشف، أي هذا التفكر يصير سببا لان ينكشف عنك الهم (1).
ثم اعلم أنه كان في المنقول عنه بعد قوله: طال ما عصيت، فقرات ناقصات بينها بياض كثير أسقطناها. وما في آخر الخبر لعله تمثيل لبيان أن كل شئ غيره تعالى مغلوب مقهور بما فوقه والله الغالب على كل شئ. وسيأتي الكلام فيه في كتاب السماء والعالم. وإنما أوجزنا الكلام في شرح هذا الخبر، إذ استيفاء الكلام فيه لا يتأتى إلا في كتاب مفرد موضوع لذلك، وعهدنا المقدم يمسك عن الاطناب عنان القلم.
12 - تحف العقول: قال النبي (صلى الله عليه وآله): صفة العاقل أن يحلم عمن جهل عليه (2) ويتجاوز عمن ظلمه، ويتواضع لمن هو دونه، ويسابق من فوقه في طلب البر، وإذا أراد أن يتكلم تدبر فإن كان خيرا تكلم فغنم وإن كان شرا سكت فسلم، وإذا عرضت له فتنة استعصم بالله، وأمسك يده ولسانه، وإذا رأى فضيلة انتهز بها، لا يفارقه الحياء، ولا يبدو منه الحرص، فتلك عشر خصال يعرف بها العاقل. وصفة الجاهل أن يظلم من خالطه، ويتعدى على من هو دونه ويتطاول على من هو فوقه، كلامه بغير تدبر إن تكلم أثم و إن سكت سها، وإن عرضت له فتنة سارع إليها فأردته، وإن رأى فضيلة أعرض وأبطأ عنها، لا يخاف ذنوبه القديمة، ولا يرتدع فيما بقي من عمره من الذنوب، يتوانى عن البر (3) ويبطئ عنه، غير مكترث لما فاته من ذلك أو ضيعه، فتلك عشر خصال من صفة الجاهل الذي حرم العقل.
بيان: قال الجزري: النهزة الفرصة وانتهزتها اغتنمتها. أي إذا رأى فضيلة اغتنم الفرصة بهذه الفضيلة ولم يؤخرها. قوله (عليه السلام): وإن سكت سها. أي ليس سكوته لرعاية مصلحة بل لأنه سها عن الكلام. والردى: الهلاك فأردته أي أهلكته. ويقال:
ما أكترث له أي ما أبالي به.