فقال عليه السلام: وأما السابعة يا أخا اليهود فإن رسول الله صلى الله عليه وآله توجه لفتح مكة أحب أن يعذر إليهم ويدعوهم إلى الله عز وجل آخرا كما دعاهم أولا، فكتب إليهم كتابا يحذرهم فيه، وينذرهم عذاب الله، ويعدهم الصفح ويمنيهم مغفرة ربهم، ونسخ لهم في آخره سورة براءة لتقرأ عليهم، ثم عرض على جميع أصحابه المضي به فكلهم يرى التثاقل فيه، فلما رأى ذلك ندب منهم رجلا فوجهه به.
فأتاه جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد لا يؤدى عنك إلا أنت أو رجل منك، فأنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله بذلك، ووجهني بكتابه ورسالته إلى أهل مكة فأتيت مكة، وأهلها من قد عرفتم ليس منهم أحد إلا ولو قدر أن يضع على كل جبل منى إربا لفعل، ولو أن يبذل في ذلك نفسه وأهله وولده وماله، فبلغتهم رسالة النبي صلى الله عليه وآله وقرأت عليهم كتابه، فكلهم يلقاني بالتهدد والوعيد، ويبدى إلى البغضاء، ويظهر لي الشحناء من رجالهم ونسائهم، فكان منى في ذلك ما قد رأيتم، ثم التفت عليه السلام إلى أصحابه فقال: أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال عليه السلام: يا أخا اليهود هذه المواطن التي امتحنني فيهن ربي عز وجل مع نبيه صلى الله عليه وآله، فوجدني فيها كلها بمنه مطيعا، وليس لاحد فيها مثل الذي لي، ولو شئت لوصفت ذلك، ولكن الله عز وجل نهى عن التزكية.
فقالوا: يا أمير المؤمنين صدقت والله، لقد أعطاك الله عز وجل الفضيلة بالقرابة من نبينا، وأسعدك بأن جعلك أخاه، تنزل منه بمنزلة هارون من موسى، وفضلك بالمواقف التي باشرتها، والأهوال التي ركبتها، وذخر لك الذي ذكرت وأكثر منه مما لم تذكره، ومما ليس لأحد من المسلمين مثله، يقول ذلك من شهدك منا مع نبينا ومن شهدك بعده، فأخبرنا يا أمير المؤمنين ما امتحنك الله عز وجل به بعد نبينا فاحتملته وصبرت عليه، فلو شئنا أن نصف ذلك لوصفناه علما منا به، وظهورا منا عليه، إلا أنا نحب أن نسمع منك ذلك، كما سمعنا منك ما امتحنك الله به في حياته فأطعته فيها.