التبسم في جبهته غضون غليظ الحاجبين أصلع لطيف الأطراف أسيل الخدين حسن الوجه. قال التنوخي وأظنني سمعت منه أن مولده سنة أربع وثلاثمائة.
وكانت الكتب من بلاد الديلم تأتيه دائما يستنهضونه في اللحاق ليبايعوه ويعطوه ويطيعوه فيخاف أن يستأذن معز الدولة فلا يأذن له أو يعلم غرضه فيحبسه. فلما خرج معز الدولة لقتال ناصر الدولة بن حمدان واستخلف ببغداد ابنه عز الدولة باختيار. ركب أبو عبد الله يوما إلى عز الدولة فخوطب في مجلسه بسبب خلاف بين قوم من الطالبين خطابا ظاهرا استقصارا لفعله. فامتعض من ذلك وأزرى على المخاطب له وخرج مغضبا وقد تحرك بذلك على ما كان يعمل الحيلة فيه من الخروج وعاد إلى منزله ورتب قوما بدواب خارج بغداد من الجانب الشرقي وكان ينزل في باب الشعير على شاطئ دجلة من الجانب الغربي. وأظهر أنه متشك (متنسك خ ل) وحجب الناس عنه. فلما كان لليلتين بقيتا من شوال سنة 393 ه ثلاث وخمسين وثلاثمائة خرج متخفيا. واستصحب ابنه الأكبر وخلف عياله ومن بقي من ولده وزوجته وكلما تحويه داره وتشتمل عليه نعمته، وعليه جبة صوف بيضاء وفى صدره مصحف منشور وقد علقه وسيف قد علق حمائله في عنقه حتى لحق بهوسم من بلاد الديلم، وهذا زي الطالبيين إذا ظهروا دعاة إلى الله تعالى، وأطاعته الديلم وبايعوه بالإمامة وأقام فيهم يدعو إلى سبيل ربه، ويقيم الحدود بنفسه، ويتقشف التقشف التام لا يأكل إلا خبز الأرز والسمك وما يجرى مجراهما بعد أن خرج إلى هذا من العيش الرغيد والنعمة العظيمة.
ويلقب بالمهدي لدين الله القائم بحق الله، وكان قد عمل على تجهيز العساكر إلى طرسوس من ذلك الطريق ليستخلصها من الروم، وأجابته الديلم على ذلك فعاجله بالافساد رجل من العلويين يقال له ميركا بن أبي الفضل الثاير، وكان طمع في الامر فاسر أبا عبد الله وحبسه في قلعة فغضبت الديلم وأغتضب من ذلك حتى الحنبلية من الديلم. وهم فرقة عظيمة نحو من خمسين ألفا يعرفون بأصحاب أبى