الباب الرابع والعشرون:
فيما أذكره من أن الاعتبار في صواب العبد في الأعمال والأقوال على ما وهب الله جل جلاله من العقل [في المعقول، وعلى ما نبه صلوات الله عليه في المنقول] (1) دون من خالف في ذلك على كل حال إعلم أنني وجدت التكاليف المرادة من العباد، جملتها إما عقلية وإما نقلية، فأما العقلية، فإنني ما وجدت العقلاء كلهم اتفقوا أبدا، لاعلى البديهية ولا على الضرورية، فكيف ما دونها من الأمور العقلية، بل خالف في ذلك قوم، يقال لهم: السوفسطائية، والأدرية وغيرهم من المذاهب الردية، بل وجدت الذين سلموا من جحود تلك المعقولات قد أطبق منهم الخلق الكثير والجم الغفير على أنهم لا يعرفون أن الفعل الصادر عنهم أنه واقع منهم، وقالوا هو من الله جل جلاله، وزعموا أن هذا معلوم عندهم على اليقين، وأن من قال غير ذلك فهو من المكابرين.