فتح الأبواب - السيد ابن طاووس - الصفحة ٣٠٦
جوارحه شهودا عليه يوم الحساب والسؤال، وما قنع له أيضا بهذا الاستظهار عليه، حتى كان الله جل جلاله عالما بسره، خيره وشره، ومطلعا عليه، وقال له مع ذلك قولا لو فهمه وصدقه وعمل به صعب عليه الحياة، فقال تعالى: ﴿إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله﴾ (1) فهل ينبغي للعبد مع هذا أن يكون له اشتغال بغير مراد الله جل جلاله، وغير مراد رسوله سيد المرسلين ونائبه صلوات الله عليهما دون الخلائق أجمعين؟
فصل:
وهب أن الانسان أنه ما تميل نفسه إلى شرف هذا المقام، فإن طبعه ما يميل إلا إلى مدح الأنام، والاجتهاد في ذلك على الاجتهاد في السلامة من ذمهم، ويهتم بذلك غاية الاهتمام، ويقدم الاجتهاد في ذلك على الاجتهاد في مدح الله جل جلاله له (2)، ومدح رسوله ونائبه عليهما أفضل الصلاة والسلام، ولا يحزنه استحقاق ذم الله جل جلاله وذم رسوله وخاصته، كما يحزنه ذم غير هما من أهل صداقة هذا العبد، أو ذم أهل معرفته، فهل يتهيأ لهذا العبد إذا خالف ما قلناه، ولم يشغل بمولاه، أن يحصل له رضى العباد عنه، ومدحهم له، وترك مذمتهم، أما يعلم أن هذا أمر مأيوس منه، فلأي حال يضيع عمره، وهو رأس مال بضاعة الدنيا والآخرة، فيما لا يصح ولا يملك، أما سمع قول الحق والصدق: رضا العباد غاية لا تدرك (3).

(١) البقرة ٢: ٢٨٤.
(٢) ليس في " د " و " ش ".
(٣) قال علقمة: فقلت للصادق عليه السلام: إن الناس ينسبونا إلى عظائم الأمور وقد ضاقت بذلك صدورنا، فقال عليه السلام: إن رضا الناس لا يملك، وألسنتهم لا تضبط، وكيف تسلمون مما لم يسلم منه أنبياء الله ورسله، الحديث " وسائل الشيعة ١٨: ٢٩٣ ".
(٣٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 310 » »»