بضيعه في تحصيل مدح العباد له وثنائهم عليه، ووزن حركاته وسكناته بحسب رضاهم، فيما يقربه إليهم، أو يقربهم إليه، مع ما كلف العبد من دوام مراقبة مالك الأولين والآخرين، المطلع على أسرار العالمين، ومع ما كلف في سائر الحركات والسكنات من العمل بمراسم وآداب سيد المرسلين؟
ومما رويناه بإسنادنا أن محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الايمان الكبير من كتاب الكليني، بإسناده عن حفص بن غياث، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: " إن قدرت ألا تعرف فافعل، وما عليك ألا يثنى عليك الناس، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس، إذا كنت محمودا عند الله عز وجل " (1).
أقول: ومثال ذلك أن الانسان لو كان في حبس سلطان، وقد رتب السلطان عليه في الحبس شخصين، وهما معه موكلان، ينقلان حركاته وسكناته إليه، وما قنع بالشخصين الموكلين به حتى جعل جوارحه شهودا أيضا عليه، وما قنع السلطان أيضا بذلك حتى جعل بينه وبين قلب هذا المحبوس منظرة يطلع منها على ضمائر العبد وأسراره، وقيل للمحبوس إنه إن أخفى شيئا أو أبداه في ليله أو نهاره فإن السلطان يحاسبه به ولا يلتفت إلى أعذاره، فهل يقبل العقل أن هذا المحبوس إذا علم هذا كله من صعوبة حاله يترك الاشتغال بنفسه وصواب أعماله، ويهتم تحصيل مدح أهل الحبس له وإقبالهم عليه، أو يفكر في ذمهم وقلة ميلهم إليه؟!
فهكذا حال العبد المكلف، بل أصعب في الحياة الدنيوية، فإنه المسكين في الحبس، لان الدنيا سجن أهل الايمان، ومعه الملكان والحافظان الموكلان، ومع ذلك له فلم يقنع له بهذه الحال حتى جعل الله جل جلاله