فقلت: أجئ إلى حضرة أبي محمد عليه السلام فعندي أربعون مسألة قد أشكلت علي، فقال: خير صاحب ورفيق.
فمضينا حتى دخلنا سر من رأى، وأخذنا بيتين في خان، وسكن كل واحد [منا] في واحد (1) وخرجنا إلى الحمام، واغتسلنا غسل الزيارة والتوبة.
فلما رجعنا أخذ أحمد بن إسحاق جرابا ولفه بكساء طبري، وجعله على كتفه ومشينا، وكنا نسبح الله ونهلله ونكبره ونستغفره ونصلي على محمد وآله إلى أن وصلنا إلى باب الدار فاستأذن أحمد بن إسحاق، فأذن بالدخول.
فلما دخلنا وإذا أبو محمد عليه السلام على طرف الصفة (2) قاعد، وكان على يمينه غلام قائم كفلقة قمر، فأحسن الجواب، وأكرمنا، وأقعدنا، فوضع أحمد الجراب بين يديه، وكان أبو محمد عليه السلام ينظر في درج طويل في الاستفتاء، ورد عليه من ولاية، فجعل يقرأ ويكتب تحت كل مسأله التوقيع، فالتفت إلى الغلام وقال:
هذه هدايا موالينا. وأشار إلى الجراب.
فقال الغلام: هذا لا يصلح لنا، لان الحلال مختلط بالحرام فيه.
فقال أبو محمد عليه السلام: أنت صاحب الالهام، أفرق بين الحلال والحرام.
ففتح أحمد الجراب فأخرج صرة فنظر إليها الغلام وقال: هذا بعثه فلان بن فلان من محلة كذا، وكان باع حنطة خاف على الزراع في مقاسمتها، وهي كذا دينارا، وفي وسطها خط مكتوب عليه كميته، وفيها صحاح ثلاث: إحداها آملي، والأخرى ليس عليها سكة، والأخرى فلأني أخذها (3) من نساج غرامة من غزل سرق من عنده.
ثم أخرج صرة فصرة فجعل يتكلم على كل واحدة بقريب من ذلك.
ثم قال: أشدد الجراب على الصرر حتى توصلها عند وصولك إلى أصحابها (4)