قال: فقال المعروف بابن هشام: لما حصلت بمكة وعزم على إعادة الحجر بذلت لسدنة البيت جملة تمكنت معها من الكون بحيث أرى واضع الحجر في مكانه، وأقمت معي منهم من يمنع عني ازدحام الناس، فكلما عمد إنسان لوضعه اضطرب ولم يستقم، فأقبل غلام أسمر اللون، حسن الوجه، فتناوله ووضعه في مكانه فاستقام كأنه لم يزل عنه، وعلت لذلك الأصوات، وانصرف خارجا من الباب، فنهضت من مكاني أتبعه، وأدفع الناس عني يمينا وشمالا، حتى ظن بي الاختلاط في العقل، والناس يفرجون لي، وعيني لا تفارقه، حتى انقطع عن الناس، فكنت أسرع السير خلفه، وهو يمشي على تؤدة (1) ولا ادركه.
فلما حصل بحيث لا أحد يراه غيري، وقف والتفت إلي فقال: هات ما معك.
فناولته الرقعة. فقال من غير أن ينظر فيها:
قل له: لا خوف عليك في هذه العلة، ويكون ما لابد منه بعد ثلاثين سنة (2).
قال: فوقع علي الزمع (3) حتى لم أطق حراكا، وتركني وانصرف.
قال أبو القاسم: فأعلمني بهذه الجملة. فلما كان سنة تسع (4) وستين اعتل أبو القاسم فأخذ ينظر في أمره، وتحصيل جهازه إلى قبره، وكتب وصيته، واستعمل الجد في ذلك.
فقيل له: ما هذا الخوف؟ ونرجو أن يتفضل الله تعالى بالسلامة، فما عليك مخوفة.