خشينا إن تركناه على تلك الحالة أن ينشق علينا منه (مالا نسده) (1)، ويأتي علينا ما لا نطيقه، فالآن إذ قد فعلناه، وأخطأنا في أمره بما أخطأنا، وأشرفنا من الهلاك (بالتنويه به) (2) على ما أشرفنا، فليس يجوز التهاون في أمره، لكنا نحتاج أن نضع منه قليلا، حتى نصوره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الامر، ثم ندبر فيه.
فقال الرجل المدبر: يا أمير المؤمنين، خولني مجادلته، فإني أفحمه وأصحابه، وأضع من قدره، ولولا هيبتك في صدري لأريته منزلته، ونكشف للناس عن قصوره عما رشحته له. فقال المأمون: ما شئ أحب إلي من هذا.
قال: فاجمع جماعة من وجوه أهل مملكتك، من القواد والقضاة وجملة الفقهاء لابين نقصه بحضرتهم، فيكون تأخيرك له عن محله الذي أحللته فيه على علم منهم بصواب فعلك.
قال: فجمع الخلق الفضلاء (3) من رعيته في مجلس واحد واسع قعد لهم فيه، وأقعد الرضا عليه السلام في دسته التي جعلها له بين يديه، فانتدب هذا الحاجب المتضمن للموضع من الرضا عليه السلام وقال: إن الناس قد أخبروا عنك الحكايات وأسرفوا في وصفك، فيما أرى أنك إن وقفت عليه برئت، إلى الله منه، وأنك دعوت الله تعالى في المطر المعتاد مجيئه فجعلوا ذلك معجزة أوجبوا لك بها آية، وأنه لا نظير لك في الدنيا، وهذا أمير المؤمنين - أدام الله تعالى مملكته - لا يوازن بأحد إلا رجح عليه، وقد أحلك المحل الذي قد عرفت، وليس من حقه عليك أن تسوغ الكذابين لك وعليه ما يكذبونه.