رأسه، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلم على فاطمة وأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله في بعلها، فوجدتها راقدة على شقها الأيمن، مخمرة وجهها بجلبابها - وكان من وبر الإبل - وإذا الرحى تدور بدقيعها، وإذا كف يطحن عليها برفق، وكف أخرى تلهي الرحا، لها نور، لا أقدر أن أملي عيني منها، ولا أرى إلا اليدين (1) بغير أبدان، فامتلأت فرحا بما رأيت من كرامة الله لفاطمة عليها السلام.
فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وتباشير الفرح في وجهي بادية وهو في نفر (2) من أصحابه، قلت: يا رسول الله، انطلقت أدعو عليا "، فوجدته كذا وكذا، وانطلقت نحو فاطمة عليها السلام فوجدتها راقدة على شقها الأيمن، ورأيت كذا وكذا!
فقال: " يا أسامة، أتدري من الطاحن، ومن الملهي لفاطمة؟ إن الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة، واحدة منها لذنوبه ما تقدم منها وما تأخر، وتسعة وستين مذخورة لمحبيه، يغفر الله بها ذنوبهم يوم القيامة، وإن الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخلدين أن يهبطا في أسرع من الطرف، وإن أحدهما ليطحن، والاخر ليلهي رحاها.
وإنما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا، فحدث، يا أسامة لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما، وإنما سألتني خادما فمنعتها (3)، فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنة، الذين رأيت منهن، وإنا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية ".