عرفوا الحق من الباطل، والمحق من المبطل، فجاهدوا في الله مع وليه حق الجهاد.
قال: صدقت ولقد كان معنا منهم يومئذ قوم صبروا ونصروا، فمن أنت؟ قلت: أنا رجل من عبد القيس. فقال: أهلا بك ومرحبا، بأبي قومك ويومك. ثم أدناني وقربني، وأقبل علي، ثم قال لي:
والله، لأحدثنك بما تقر به عينك، وتقوى به بصيرتك، ويزداد به إيمانك.
ثم قال: قم بنا، وأخذ بيدي إلى منزله، وأكرمني، وأحسن ضيافتي، وقال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: " قيدوا العلم بالكتابة " وقام، وأخرج صحيفة من جلد أبيض، فيه كتابة فقرأ علي: " حدثني ربيعة بن سالم الهمداني، قال: لما كان اليوم الذي قتل فيه عمار بن ياسر رضي الله عنه وكان ابتدأنا من صفين حربا " وطعنا "، فاستندت إلى قفة (1) كانت هناك، وأشرفت على الناس، وقد تزحزحوا عن مقاماتهم، وهم يتكفؤون تكفؤ السفينة بأهلها، فمن بين متقدم لقتال، ومتأخر عن كلال، ما يسمع إلا صهيل الخيل، وغمغمة الرجال، وقعقعة اللجم، واصطكاك القنا باختلافها، وخفق الرايات، وقد أخذ العدو الماء، وحفظ الموارد، والناس معطشون، وقد مدت الخيل أعناقها ولجمها، وعضت على الشكائم، وقلقلت في مواقفها، وقهقرت على أكفالها، وصهلت لاوجالها، وتداعى الناس بآبائهم (واعتزوا بأنسابهم) (2) والناس ملتفون، والنساء على المطايا خلال الصفوف يحرضن الرجال على القتال، وقراء القرآن يتلون ما ذكره الله تعالى في كتابه من فضل الجهاد والمجاهدين والصبر عند مواقف الصدق، وقد سمحوا بالأنفس والأموال كأن قد عاينوا الثواب، واستيقنوا