على أن الروايات قد اتصلت واشتهرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله بأنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى في مواقف عدة وأماكن كثيرة وأوقات متفرقة فيجوز ان يكون غزاة تبوك أحدها ولكنه لا سبيل لنا إلى قصره عليها وان كنا متى خصصناه بها لم يكن منا ما ظنه المخالف من أن الخبر دال على فضيلة المحبة فقط لا يستحيل أن تكون هي السبب فيقول رسول الله صلى الله عليه وآله قولا يقتضيه ويتضمن أشياء معداة ويزيد عليه فيكون بما قاله قد اعلم المرجفين انه ما قلاه وان منزلته عنده في المحبة والفضل وعلو القدر والخلافة له في حياته وبعد وفاته نظير منزلة هارون من موسى عليه السلام وهذا مستمر غير مستحيل وأما ما ورد الخبر بلفظ التوحيد في قوله منزلة هارون من موسى ولم يقل منازل هارون فقد جرت العادة بمثل ذلك من ايراد القول مضمنا ذكر منزلة والمراد عدة منازل فيقولون منزلة فلان من الأمير كمنزلة فلان وهم يشيرون إلى عدة أحوال من منازل مختلفة وأسباب ولا يكادون يقولون منازل فلان من الأمير كمنازل فلان وإنما استعملوا لفظ التوحيد في هذا المكان من حيث اعتقدوا ان المنازل الكثيرة والرتب المختلفة قد حصل جميع ذلك له كالمنزلة الواحدة التي هي جملة وان تفرعت إلى أشياء عدة فعبروا عنها بلفظ التوحيد اتساعا لهذه العلة (الجواب) عن السؤال الثالث و أما الوجه الذي علم منه دلالة الخبر على الخلافة والحجة في أنه نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة فهو ان منازل هارون من موسى عليهما السلام معروفة وقد حصل عليها الاجماع ونطق ببعضها القرآن فمنها انه كان أخاه بالولادة وكان أحب الخلق إليه وأفضلهم لديه وكان شريكه في النبوة والرسالة وكان عضده الذي شد الله تعالى به إزره قال الله جل اسمه * (واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به ازري وأشركه في أمري) * طه وكان خليفته على قومه عند غيبته قال الله تعالى * (وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) * الأعراف فلما قال النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي علمنا أنه أراد جميع ما كان لهارون من موسى من المنازل إلا ما أخرجه الاستثناء من النبوة وأخرجه أيضا العرف من اخوة الولادة واتضحت الحجة في أن أمير المؤمنين عليه السلام أحب الخلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأفضلهم عنده وانه عضده الذي شد الله به إزره ووزيره في امره
(٢٧٦)