وجعل ذلك دلالة على أنه عذبهم بعذاب الأبد لعلمه بذلك من حالهم وليس في هذه الآية دلالة على ما ظن وإنما هي مبنية على باطن امرهم ومكذب لهم فيما يكون في القيامة من قولهم وما قبل الآية تتضمن وصف ذلك من حالهم وهو قوله تعالى سبحانه * (إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين) * الانعام فقال الله سبحانه * (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) * الانعام هذا لما تمنوا الرجوع إلى دار التكليف و ليس فيه اخبار بأنه عذبهم لما علمه منهم ان لو أعادهم حسبنا الله ونعم الوكيل (فصل) روي أن امرأة العزيز وقفت على الطريق فمرت بها المواكب حتى مر يوسف عليه السلام فقال الحمد لله الذي جعل العبيد ملوكا بطاعته والحمد لله الذي جعل الملوك عبيدا بمعصيته وذكروا ان المتمناة ابنة النعمان بن المنذر دخلت على بعض ملوك الوقت فقالت انا كنا ملوك هذا البلد يجبى إلينا خرجها ويطيعنا أهلها فصاح بنا صائح الدهر فشق عصانا وفرق ملانا وقد اتيتك في هذا اليوم أسئلك ما أستعين به على صعوبة الوقت فبكى الملك وأمر لها بجائزة حسنة فلما اخذتها أقبلت بوجهها عليه فقالت اني محييتك بتحية كنا نحي بها فاصغي إليها فقالت شكرتك يد افتقرت بعد غني ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب الله بمعروفك مواضعه وقلدك المنن في أعناق الرجال ولا أزال الله عن عبد نعمه إلا جعلك السبب لردها عليه والسلام فقال اكتبوها في ديوان الحكمة وروي ان أمير المؤمنين مر على المدائن فلما رأى آثار كسرى وقرب خرابها قال رجل ممن معه * جرت الرياح على رسوم ديارهم * فكأنهم كانوا على ميعاد * فقال أمير المؤمنين عليه السلام * (أفلا قلت كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمه كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) * الدخان (فصل من المقدمات في صناعة الكلام) اعلم أن المعدوم عندنا ليس بشئ ولا يكون الشئ إلا موجودا فإن قال لك قائل ما الشئ فقل هو الموجود فإن قال ما الموجود فقل هو الثابت العين في الوجود فإن قال ما المعدوم فقل هو ما خرج بانتفائه عن كونه شيئا فإن قالوا ما القديم فقل ما ليس لوجوده أول فان قال ما المحدث فقل هو الذي لوجوده أول فإن قال ما الجسم فقل هو ذو الطول والعرض والعمق فان قال ما الجوهر فقل هو أصغر ما تألفت منه الأجسام فإن قال ما العرض فقل هو العارض في المحل بغير بقاء واعلم أن الاعراض عندنا لا تبقى وإنما تتجدد حالا بعد حال ولا يوجد العرض عندنا إلا وقتا واحدا والموجود وقتا واحد ليس بباق ولا يوجد شئ من الاعراض الا في محل فإن قال ما الباقي فقل هو المستمر الوجود فإن أحببت فقل هو ما وجد وقتين فما زاد فإن قال ما الفاني فقل هو ما انعدمت عينه بعد وجوده وقد كان يجوز ان لا ينعدم فإن قال ما الاجتماع فقل هو محاسن جواهر الأجسام فإن
(١٤٥)