عذابا متصلا غير منقطع وما وجه الحكمة والعدل في ذلك وقد علمنا أن هذا الكافر وقع منه كفره في مدة متناهية وأوقات محصورة وهي مبلغ عمره الذي هو مائة سنة في المثل وأقل واكثر فكيف جاز في العدل عذابه أكثر من زمان كفره والا زعمتم ان عذابه متناهي كعمره ليستمر لكم القول بالعدل وتزول مناقضتكم لما تنفون عن الله تعالى من الظلم (الجواب) فقلت له سئلت فافهم الجواب اعلم أن الحكمة لما اقتضت الخلق و التكليف وجب ان يرغب العبد فيما امره به من الايمان بغاية الترغيب ويزجره عما نهى عنه من الكفر بغاية التخويف والترهيب ليكون ذلك ادعى له إلى فعل المأمور به وازجر له عن ارتكاب المنهى عنه وليس غاية الترغيب إلا الوعد بالنعيم الدائم المقيم ولا يكون غاية التخويف والترهيب إلا التوعيد بالعذاب الخالد الأليم وخلف الخبر كذب والكذب لا يجوز على الحكيم فبان بهذا الوجه ان تخليد الكافر في العذاب الدائم ليس بخارج عن الحكمة ولا القول به مناقض للأدلة فقال صاحب المجلس قد أتيت في جوابك بالصحيح الواضح غير انا نظن بقية في السؤال تطلع نفوسنا إلى أن نسمع عنها الجواب وهي ان الحال قد أفضت إلى ما ينفرد منه العقل وهو ان عذاب أوقات غير محصورة يكون مستحقا على ذنوب مدة متناهية محصورة فقلت له أجل ان الحال أفضت إلى أن الهالك على كفره يعذب بعذاب تقدير زمانه اضعاف زمان عمره وهذا هو السؤال بعينه وفي مراعاة ما أجبت به عنه بيان ان العقل لا يشهد به ولا ينفرد منه على انني آتي بزيادة في الجواب مقنعة في هذا الباب (فأقول) ان المعاصي تتعاظم في نفوسنا قدر نعم المعصى بها ولذلك عظم عقوق الولد لوالده لعظم احسان الوالد عليه وجلت جناية العبد على سيده لجليل انعام السيد عليه فلما كانت نعم الله تعالى أعظم قدرا وأجل اثرا من أن توفى بشكر أو تحصى بحصر وهي في الغاية في الانعام الموافق لمصالح الأنفس والأجسام كان المستحق على الكفر به وجحده احسانه ونعمه هو غاية الآلام وغايتها هو الخلود في النار فقال رجل ينتمي إلى الفقه كان حاضرا قد أجاب صاحبنا الشافعي عن هذه المسألة بجوابين هما أجلي وأبين مما ذكرت قال له السائل وما هما قال أما أحدهما فهو ان الله سبحانه كما ينعم في القيامة على من وقعت منه الطاعة في مدة متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية وجب قياسا على ذلك ان يعذب من وقعت منه المعصية في زمان محصور متناه بعذاب دائم غير منقص ولا متناه قال والجواب الأخر انه خلد الكفار في النار لعلمه انهم لو بقوا ابدا لكانوا كفارا فاستحسن السائل هذين الجوابين منه استحسانا مفرطا أما
(١٤٢)