كنز الفوائد - أبو الفتح الكراجكي - الصفحة ١٤٣
لمغايظتي بذلك أو لمطابقتهما ركاكة فهمه فقال صاحب المجلس ما تقول في هذين الجوابين فقلت اعفني عن الكلام فقد مضى في هذه المسألة ما فيه كفاية فاقسم علي وناشدني فقلت ان المعهود من الشافعي والمحفوظ منه كلامه في الفقه وقياسه في الشرع فأما أصول العبادات والكلام في العقليات فلم تكن من صناعته ولو كانت له في ذلك بضاعة لاشتهرت إذ لم يكن خامل الذكر فمن نسب إليه الكلام فيما لا يعلمه على طريق القياس والجواب فقد سبه من أن فساد هذين الجوابين لا يكاد يخفى عمن له أدنى تحصيل أما الأول منهما وهو مماثلته بين إدامة الثواب والعقاب فإنه خطا في العقل والقياس وذلك أن مبتدى النعم المتصلة في تقدير زمان أكثر من زمان الطاعة ان لم يكن ما يفعله مستحقا كان تفضلا ولا يقال للمتفضل المحسن لم تفضلت وأحسنت ولا للجواد المنعم لم جدت وأنعمت وليس كذلك المعذب على المعصية في تقدير زمان زائد على زمانها لأن ذلك ان لم يكن مستحقا كان ظلما تعالى الله عن الظلم فالمطالبة بعلة المماثلة بين الموضعين لازمة والمسألة مع هذا الجواب عما يوجب التخليد قائمة والعقلاء مجمعون على أن من اعطى زيدا على فعله أكثر من مقدار اجره فليس له قياسا على ذلك ان يعاقب عمرا على ذنبه باضعاف ما يجب في جرمه واما جوابه الثاني فهو وإن كان قد ذكره بعض الناس لاحق بالأول في السقوط لأنه لو كان تعذيب الله عز وجل للكافر بعذاب الأبد (إنما هو لأنه علم منه انه لو بقي ابدا كان كافرا لكان انما عذابه على تقدير كفر لم يفعله) وهذا هو الظلم في الحقيقة الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه لأن العبد لا يفعل الكفر إلا مدة محصورة وقد اقتضى هذا الجواب ان تعذيبه الزائد على مدة كفره هو عذاب على ما لم يفعله ولو جاز ذلك لجاز ان يبتدئ خلقا ثم يعذبه من غير أن يبقيه ويقدره ويكلفه إذا علم منه إذا انه لو أبقاه واقدره وكلفه كان كافرا جاحدا لأنعمه وقد أجمع أهل العدل على أن ذلك لا يجوز منه سبحانه وهو كالأول بعينه في العذاب للعلم بالكفر قبل وجوده لا على ما فعله واحدثه وقبحها يشهد العقل به ويدل عليه تعالى الله عن إضافة القبيح إليه فعلم أنه لا يعتبر في الجواب عن هذا السؤال بما اورده هذا الحاكي عن الشافعي وان المصير إلى ما قدمناه من الجواب عنه أولي والحمد لله فلما سمع المتفقة طعني فيما اورده وقولي ان الشافعي ليس من أهل العلم بهذه الصناعة ولا له فيها بضاعة ظهرت امارات الغضب في وجهه وتعذر عليه نصره ما جاء به كما تعذر عليه وعلى غيره ممن حضر القدح فيما كنت أجبت به فتعمد لقطع ما كنا فيه بحديث ابتداه لا يليق بالمجلس ولا يقتضيه فبينا نحن كذلك إذ حضر رجل كانوا يصفونه بالمعرفة وينسبونه إلى الاصطلاح بالفلسفة فلما استقر به المجلس حكوا له السؤال وبعض ما جرى فيه من الكلام فقال الرجل هذا سؤال يلزم الكلام فيه ويجب على من أقر بالشريعة طلب جواب عنه صحيح يعتمد عليه ثم سألوني الرجوع إلى الكلام
(١٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 ... » »»