فأبين أن يحملنا وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا " 1 فقال 2 [20 و]: فهل يجوز العرض على الجماد والتكليف له؟ أوليس الامتناع من ذلك كفرا؟
وهل كان العرض على سبيل التخيير أم على الإيجاب؟ فإن كان على الإيجاب فقد وقع العصيان، وإن كان على التخيير فقد جاز حظر 3 الأمانة وترك أدائها.
والجواب 4 أنه لم يكن عرض في الحقيقة على السماوات والأرض والجبال بقول صريح، أو دليل ينوب مناب القول، وإنما الكلام في هذه الآية [مجاز] 5 أريد به الايضاح عن عظم الأمانة وثقل التكليف بها وشدته على الانسان، وأن السماوات والأرض والجبال لو كانت ممن يعقل لأبت 6 حمل الأمانة لو عرضت عليها 7، وقد تكلفها الانسان ولم يؤد مع ذلك حقها.
فصل. ونظير ذلك قوله تعالى: " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا " 8 ومعلوم أن السماوات والأرض والجبال جماد لا تعرف الكفر من الإيمان، ولكن المعنى في ذلك إعظام ما فعله المبطلون، وتفوه به الضالون، وأقدم عليه المجرمون من الكفر بالله تعالى، وأنه من عظمه جار مجرى ما يثقل 9 باعتماده على السماوات والأرض والجبال من الأحمال وأن الوزر به 10 كذلك، فكان الكلام في معناه بما جاء به التنزيل مجازا واستعارة كما ذكرناه.
فصل. ومن ذلك قوله تعالى: * (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها