فلما فرغ عليه السلام من الاحكام، نهض إليه الغلام.
وقال: يا أبا تراب أنا إليك رسول، فصف لي (١) سمعك، واخل إلي ذهنك وانظر إلى ما خلفك وإلى ما بين يديك، فقد جئتك برسالة تتزعزع لها الجبال، من رجل حفظ كتاب الله من أوله إلى آخره، وعلم علم القضايا والاحكام، وهو أبلغ منك في الكلام، وأحق منك بهذا المقام، فاستعد للجواب، ولا تزخرف المقال.
فلاح الغضب في وجه أمير المؤمنين عليه السلام وقال لعمار: إركب جملك وطف في قبائل الكوفة، وقل لهم:
أجيبوا عليا، ليعرفوا الحق من الباطل، والحلال من الحرام، والصحة من السقم.
[قال ميثم:] فركب عمار [وخرج] فما كان إلا هنيئة حتى رأيت العرب كما قال الله تعالى: ﴿إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون﴾ (2) فضاق جامع الكوفة بهم، وتكاثف الناس كتكاثف الجراد على الزرع الغض في أوانه فنهض العالم الأورع، والبطين الأنزع صلوات الله عليه، ورقى من المنبر مراق (3) ثم تنحنح، فسكت الناس، فقال:
رحم الله من سمع فوعى، أيها الناس إن معاوية يزعم أنه أمير المؤمنين، وأن لا يكون الامام إماما حتى يحيي الموتى، أو ينزل من السماء مطرا، أو يأتي بما يشاء كل ذلك مما يعجز عنه غيره، وفيكم من يعلم أني الآية الباقية، والكلمة التامة والحجة البالغة، ولقد أرسل إلي معاوية اهلا من جاهلية العرب، ففسح في كلامه وعجرف (4) في مقاله، وأنتم تعلمون أني لو شئت لطحنت عظامه طحنا، ونسفت الأرض من تحته نسفا، وخسفتها عليه خسفا، إلا أن احتمال الجاهل صدقة [عليه].