الغيبة، وضيق عليهم في كل عصر وزمان قبله ألا يعرفونه بعينه واسمه ونسبه، ومحظور عليهم الفحص والكشف عن صاحب الغيبة والمطالبة باسمه أو موضعه أو غيابه أو الإشادة بذكره، فضلا عن المطالبة بمعاينته، وقال لنا: إياكم والتنويه، وكونوا على ما أنتم عليه، وإياكم والشك، فأهل الجهل الذين لا علم لهم بما أتى عن الصادقين (عليهم السلام) من هذه الروايات الواردة للغيبة وصاحبها يطالبون بالإرشاد إلى شخصه والدلالة على موضعه، ويقترحون إظهاره لهم، وينكرون غيبته لأنهم بمعزل عن العلم وأهل المعرفة مسلمون لما أمروا به، ممتثلون له، صابرون على ما ندبوا إلى الصبر عليه، وقد أوقفهم العلم والفقه مواقف الرضا عن الله، والتصديق لأولياء الله، والامتثال لأمرهم، والانتهاء عما نهوا عنه، حذرون ما حذر الله في كتابه من مخالفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) الذين هم في وجوب الطاعة بمنزلته لقوله: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) ((1))، ولقوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ((2))، وبقوله: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين) ((3)).
وفي قوله في الحديث الرابع من هذا الفصل - حديث عبد الله بن سنان - كيف أنتم إذا صرتم في حال لا ترون فيها إمام هدى ولا علما يرى، دلالة على ما جرى وشهادة بما حدث من أمر السفراء الذين كانوا بين الإمام (عليه السلام) وبين الشيعة من ارتفاع أعيانهم، وانقطاع نظامهم، لأن السفير بين الإمام في حال غيبته وبين شيعته هو العلم، فلما تمت المحنة على الخلق ارتفعت الأعلام ولا ترى حتى يظهر صاحب الحق (عليه السلام) ووقعت الحيرة التي ذكرت وآذننا بها أولياء الله.