الآخرة ما يجدونه منه. فهذه حقيقة الزهد في الدنيا ليس على أنها تطرح بأسرها، أو يكره كسب شئ منها، ولو كان ذلك هو الفضل، واليه ندب الله عز وجل لم يكن أنبياؤه وأولياؤه ليملكوا منها علقا " ولا يكتسبوا منها، وقد ملكوا منها، واكتسبوا كثيرا "، ولكنهم ينظرون إلى ذلك بعين القلة والاحتقار، وبها وصفه الله عز وجل به من الفناء والانقطاع، ويزهدون فيه ويرغبون في الآخرة ومتاعها التي رغبهم الله عز وجل فيها، ويقدمون بما في أيديهم من الدنيا لها، ويقومون بما افترض الله عز وجل عليهم فيها، ولو كانت الدنيا وما فيها مرفوضا " لا ينبغي طلابه ولا اكتسابه لكان الواجب على العباد ذلك أن يفعلوه. وإذا ما فعلوا أخربوها وانقرضوا وشيكا " منها، وقد أمر الله عز وجل بالاستعداد منها لارهاب أعدائه وما يقوى على جهادهم به، والنفقة في سبيله، فقال سبحانه: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم " (1) وقال تعالى: " وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة " (2). وافترض النفقات على الزوجات، فقال تعالى: " وارزقوهم فيها واكسوهم وقولوا لهم قولا معروفا " (3) وقال تعالى: " لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " (4) فهل تكون النفقات إلا من اكتساب الدنيا ومتاعها، والتصرف فيها وابتغاء الرزق منها، وهذا ما لا يدفعه أحد من أهل العلم ولا ينكره.
[نظرة علي إلى الدنيا] [544] وقد جاء أن قوما ذموا الدنيا عند علي صلوات الله عليه، فقام فيهم