فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وماش بينهما كلما قرب من واحد بعد عن الآخر، وهما بعد ضرتان (1).
وعن نوف البكالي، قال: رأيت أمير المؤمنين - عليه السلام - ذات ليلة وقد خرج من فراشه فنظر إلى النجوم، ثم قال: يا نوف، أراقد أنت أم رامق؟ قلت: بل رامق يا أمير المؤمنين، قال يا نوف: طوبى للزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة، أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والقرآن شعارا، والدعاء دثارا ثم قرضوا الدنيا قرضا على منهاج المسيح عليه السلام.
يا نوف إن داود عليه السلام، قام في مثل هذه الساعة من الليل، فقال إنها ساعة لا يدعو فيها عبد إلا استجيب له إلا أن يكون عشارا، أو عريفا، أو شرطيا، أو صاحب عرطبة (وهي الطنبور) أو صاحب كوبة (وهي الطبل) (2).
وقال عليه السلام: إن الله فرض عليكم فرائض فلا تضيعوها، وحد لكم حدودا فلا تعتدوها، ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها، وسكت لكم عن أشياء و لم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها، رحمة من ربكم رحمكم بها فاقبلوها (3).
وقال عليه السلام: لا يترك الناس شيئا من دينهم، لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو أضر منه (4).
وقال عليه السلام: رب عالم قد قتله جهله، ومعه علمه لا ينفعه (5).
وقال عليه السلام: أعجب ما في هذا الإنسان قلبه، وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ