قال: فخرج أبو بكر يصلي بالناس، فظنوا أنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم يكبر حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: أدعو لي عمي - يعني العباس، رضي الله عنه - فدعي له فحمله وعلي عليه السلام، حتى أخرجاه فصلى بالناس وإنه لقاعد، ثم حمل فوضع على المنبر بعد ذلك فاجتمع لذلك جميع أهل المدينة من المهاجرين والأنصار حتى برزت العواتق من خدورها، فبين باك وصائح، ومسترجع، وواجم، والنبي عليه السلام يخطب ساعة، ويسكت ساعة، فكان فيما ذكر من خطبته أن قال:
يا معشر المهاجرين والأنصار، ومن حضر في يومي هذا، وفي ساعتي هذه من الإنس والجن ليبلغ شاهدكم غائبكم، ألا إني قد خلفت فيكم كتاب الله فيه النور والهدى، والبيان لما فرض الله تبارك وتعالى من شئ حجة الله عليكم وحجتي وحجة وليي. وخلفت فيكم العلم الأكبر، علم الدين، ونور الهدى، وضياءه وهو علي بن أبي طالب، ألا وهو حبل الله فاعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (1).
أيها الناس هذا علي من أحبه وتولاه اليوم، وبعد اليوم، فقد أوفى بما عاهد عليه الله، ومن عاداه وأبغضه اليوم، وبعد اليوم جاء يوم القيامة أصم وأعمى، لا حجة له عند الله.
أيها الناس لا تأتوني غدا بالدنيا تزفونها زفا، ويأتي أهل بيتي شعثا غبرا مقهورين مظلومين تسيل دماؤهم، إياكم واتباع الضلالة والشورى للجهالة، ألا وإن هذا الأمر له أصحاب قد سماهم الله عز وجل لي وعرفنيهم وأبلغتكم ما أرسلت به إليكم ولكني أراكم قوما تجهلون (2).