وأرشدك، وأعانك وغفر ذنبك، ورفع ذكرك، ثم قال: يا أخي إن القوم سيشغلهم عني ما يريدون من عرض الدنيا، وهم عليه قادرون، فلا يشغلك عني ما شغلهم، فإنما مثلك في الأمة مثل الكعبة نصبها الله علما، وإنما تؤتى من كل فج عميق، وناد سحيق، وإنما أنت العلم علم الهدى، ونور الدين، وهو نور الله، يا أخي والذي بعثني بالحق لقد قدمت إليهم بالوعيد، ولقد أخبرت رجلا رجلا بما افترض الله عليهم من حقك، وألزمهم من طاعتك فكل أجاب إليك وسلم الأمر إليك، وإني لأعرف خلاف قولهم.
فإذا قبضت، وفرغت من جميع ما وصيتك به، وغيبتني في قبري فالزم بيتك، واجمع القرآن على تأليفه، والفرائض والأحكام على تنزيله، ثم امض ذلك على عزائمه وعلى ما أمرتك به، وعليك بالصبر على ما ينزل بك منهم حتى تقدم علي.
قال عيسى: فسألته وقلت: جعلت فداك قد أكثر الناس قولهم في أن النبي عليه السلام، أمر أبا بكر بالصلاة ثم أمر عمر، فأطرق عني طويلا، ثم قال:
ليس كما ذكر الناس ولكنك يا عيسى كثير البحث عن الأمور لا ترضى إلا بكشفها، فقلت: بأبي أنت وأمي، من أسأل عما أنتفع به في ديني، وتهتدي به نفسي مخافة أن أضل غيرك؟ وهل أجد أحدا يكشف لي المشكلات مثلك؟
فقال: إن النبي صلى الله عليه وآله لما ثقل في مرضه دعا عليا عليه السلام، فوضع رأسه في حجره وأغمي عليه، وحضرت الصلاة فأذن بها فخرجت عائشة فقالت: يا عمر اخرج فصل بالناس، فقال لها: أبوك أولى بها مني، فقالت:
صدقت، ولكنه رجل لين، وأكره أن يواثبه القوم، فصل أنت، فقال لها: بل يصلي هو، وأنا أكفيه إن وثب واثب، أو تحرك متحرك، مع أن رسول الله مغمى عليه، ولا أراه يفيق منها، والرجل مشغول به، لا يقدر أن يفارقه - يعني عليا عليه السلام - فبادروا بالصلاة قبل أن يفيق فإنه إن أفاق خفت أن يأمر عليا بالصلاة، وقد سمعت مناجاته له منذ الليلة، وفي آخر كلامه يقول لعلي عليه السلام: الصلاة، الصلاة.