في بغداد للأخذ من موارد علمه الخصب والتي يتطلع إليها كل لبيب، وذي عقل، وطالب علم وأدب في اللحظات كافة.. فلما ألقى عليهم الفصل المتضمن لمحاسن ما نقل عنه عليه السلام، تقدموا إليه بطلب كريم مما جعله ينصرف عن إتمام كتابه " الخصائص " ويتحول إلى وضع خطط وأسس تأليفه القيم " نهج البلاغة " فقال بعد كلامه السالف بهذا الصدد:
" وسألوني عند ذلك أن ابتدئ بتأليف كتاب يحتوي على مختار كلام أمير المؤمنين - عليه السلام - في جميع فنونه، ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب، ومواعظ وآداب، علما أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة وغرائب الفصاحة، وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، مما لا يوجد مجتمعا في كلام، ولا مجموع الأطراف في كتاب ".
ومن هنا نجد الرضي العليم يتحول بكامل حيويته الأدبية وشخصيته العلمية الفذة، إلى جمع كلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، الإمام أمير المؤمنين - عليه السلام - ويضع كتابه " الخصائص " جانبا ويندفع إلى التنقيب عن كلام الإمام عليه السلام، وجمعه من بطون المراجع والمصادر النادرة، ومن ثم تصنيفه وتقسيمه إلى ثلاثة أبواب:
الخطب والأوامر..
الكتب والرسائل..
الحكم والمواعظ..
واجمع بتوفيق الله تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب، ثم محاسن الكتب، ثم محاسن الحكم والأدب، مفردا لكل صنف من ذلك بابا ومفصلا فيه أوراقا.
وهكذا يتحول السيد الرضي... من كتاب " خصائص الأئمة " إلى تأليف كتاب " نهج البلاغة " الذي بلغ من السمو والرفعة والخلود، ما لم يبلغه كتاب غير القرآن الكريم.